بين فاشية ترامب وأخلاقية ممداني: الغرب وازدواجية القيم في مرآة نيويورك - تليجراف الخليج

0 تعليق ارسل طباعة

نقدم لكم زوارنا الكرام أهم وآخر المستجدات كما وردت في المقال التالي: بين فاشية ترامب وأخلاقية ممداني: الغرب وازدواجية القيم في مرآة نيويورك - تليجراف الخليج اليوم الخميس الموافق 26 يونيو 2025 12:31 مساءً

 

بقلم الأستاذ الدكتور محمد تركي بني سلامة

في مشهد سياسي يعكس بوضوح التناقض الصارخ بين شعارات الغرب وممارساته، وبين زيف الليبرالية الأمريكية وادعاءاتها، تطفو على السطح موجة جديدة من العنصرية الفاشية يقودها دونالد ترامب، الذي لم يتوانَ عن شنّ هجوم سافر على السياسي الأميركي المسلم زهران ممداني، بعد فوزه بترشيح الحزب الديمقراطي لعمودية مدينة نيويورك.

لم يكن هجوم ترامب مجرد تعبير عن رأي، بل جاء محمّلاً بكل ما تحمله الفاشية من حقد طبقي وعنصري وديني، وامتدادًا لخطاب النازية الجديدة التي تسكن خطابه منذ حملته الانتخابية الأولى. فقد وصف ممداني بـ"الشيوعي المتطرف 100%"، وانتقد مظهره وصوته وذكاءه، بطريقة لا تمتّ للديمقراطية بصلة، بل تنتمي بامتياز إلى قاموس الإقصاء والكراهية.

إن ترامب، الذي طالما تباهى بأنه "صوت أميركا الحقيقي"، يكشف اليوم عن وجه أميركا القبيح، حيث لا مكان للمسلمين أو للعرب أو لأصحاب المبادئ الأخلاقية الصلبة في مواقع القرار. فحين يعلن زهران ممداني، ابن الجالية المسلمة، أنه سيصدر أمر اعتقال بحق بنيامين نتنياهو حال زيارته نيويورك، على خلفية جرائم الحرب في غزة، تتكالب عليه الآلة الإعلامية والسياسية الغربية، لا لأنه كذب أو حرّض، بل لأنه صدق وعبّر عن موقف أخلاقي إنساني يستحق الإشادة، لا الهجوم.

إن الهجوم على ممداني يكشف هشاشة الديمقراطية الأميركية، وازدواجية خطاب "الحرية وحقوق الإنسان"، حين تكون هذه الحقوق تخصّ العربي أو المسلم، من العراق إلى موريتانيا، ومن غزة إلى ديترويت. ما يحدث اليوم هو أن رجلًا مسلمًا صادقًا، نزيهًا، يحمل قيم العدل والمساواة في قلبه، ويتبنّى موقفًا أخلاقيًا شجاعًا، يُهاجم لأنه تجرّأ على كسر القاعدة الذهبية في الغرب: "تحدث كما نشاء، لا كما تؤمن."

زهران ممداني لا يمثّل مجرد مرشح سياسي، بل هو ظاهرة نادرة في السياسة الغربية؛ ظاهرة تشير إلى ميلاد جيل جديد من القادة الذين لم تُرهقهم الحسابات الانتخابية، ولم تُلوّثهم المصالح الشخصية، بل اختاروا الاصطفاف إلى جانب المظلومين، لا القتلة.

وفي المقابل، نجد أن ترامب – الذي ما زال يحظى بتأييد واسع داخل أوساط البيض المتطرفين واللوبي الصهيوني – لا يتردد في تسخير الكراهية كسلاح انتخابي. يهاجم المهاجرين، ويشيطن المسلمين، ويدعم علنًا مجرمي الحرب في فلسطين المحتلة، ثم يحدثنا عن "أميركا العظيمة".

هذه ليست مجرد مواقف سياسية، بل هي تذكير واضح بأن الغرب، وعلى رأسه الولايات المتحدة، يمارس النفاق السياسي بأبشع صوره. يرفعون شعارات "حقوق الإنسان" في وجه خصومهم، بينما يباركون قتل الأطفال في غزة، واحتلال الأرض في الضفة الغربية، والتطهير العرقي في القدس. يصرخون دفاعًا عن "حرية الصحافة" حين تُغلق صحيفة في روسيا، لكنهم يصمتون أمام إغلاق مئات المؤسسات الإعلامية الفلسطينية وقصف الصحفيين.

لقد بات من الضروري إعادة قراءة مفاهيم الديمقراطية والعدالة في الغرب، ليس كما تُدرَّس في المناهج، بل كما تُمارس على الأرض. وما حدث مع ممداني هو جرس إنذار لكل من يظن أن العدل والحرية في الغرب شاملة وعامة، فالحقيقة المؤلمة أن تلك القيم تُوزَّع بانتقائية، وتُحجب عن كل من لا يدخل في "نادي النُخَب البيض" أو من لا يرضخ لسطوة الصهيونية العالمية.

ختامًا، فإن ما يتعرّض له زهران ممداني من هجوم هو وسام شرف، يعلّق على صدر كل من لا يخشى قول الحق في زمن التزييف. أما ترامب وأمثاله، فهم مجرد تجليات لمرحلة ستسقط، كما سقطت النازية قبله، لأن الحق باقٍ وإن تواطأ عليه العالم، ولأن صوت الضمير لا يُقمع مهما ارتفعت أصوات الكراهية.


نشكركم على القراءة، ونتطلع لمشاركتكم في مقالاتنا القادمة للحصول على أحدث الأخبار والمستجدات.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق