شهدت كرة القدم تحوّلاً جذرياً تجاوز حدود المستطيل الأخضر، مدفوعاً بموجة من التقنيات الحديثة التي أعادت تشكيل ملامح اللعبة بشكل فاق العقل البشري.
وواصلت النسخة الحالية من كأس العالم للأندية، التي تستضيفها الولايات المتحدة، وتنتهي في 13 يوليو المقبل، التأكيد على أن كرة القدم أصبحت علماً دقيقاً تديره الخوارزميات، وتُعزّزه البيانات والتحليلات المتقدمة، مع ظهور كاميرات مثبتة على أجساد الحكام، لتسجيل لقطات من منظور الحكم، ليتم بث لقطات مختارة منها على الهواء مباشرة إلى الجماهير، ما يوفر لهم رؤية جديدة للمباراة.
كما يتم استخدام تلك الكاميرات أثناء مراجعات تقنية حكم الفيديو المساعد (فار)، للتحقق من رؤية الحكم وقت مراجعة الحالات مثار الجدل.
وهذه الكاميرا الجديدة، التي سبق اختبارها خلال كأس الإنتركونتيننتال 2024، والعديد من بطولات «الفيفا» للشباب، يتم تطبيقها في جميع مباريات مونديال الأندية، لاعتماد استخدمها بشكل رسمي في المستقبل.
وعلى مدار السنوات الـ14 الماضية، تطور ركب كرة القدم بشكل متسارع، بعد اقتحام التكنولوجيا المتطورة بكل أشكالها هذا المجال، وأصبحت تتحكم في تفاصيل اللعبة سواء داخل المستطيل الأخضر أو خارجه.
تحليل البيانات
باتت الأندية الكبرى تعتمد على علم البيانات بشكل غير مسبوق، حيث تُحلّل كل حركة للاعبين عبر برامج متقدمة، مثل «Opta» و«StatsBomb»، لتقديم رؤى دقيقة حول الأداء، واللياقة، ومناطق القوة والضعف، كما يُستخدم الذكاء الاصطناعي لتحديد أنسب التبديلات وتوقّع نتائج المباريات.
ويُعد نادي مانشستر سيتي في مقدمة الأندية العالمية التي تستخدم برامج ذكاء اصطناعي لتحليل تحركات اللاعبين، والحمل البدني، وأنماط اللعب، عبر مُختبر بيانات داخلي لدعم قرارات مدربه الإسباني بيب غوارديولا.
كما يستخدم نادي ريال مدريد الذكاء الاصطناعي عبر شركات تقنية لتحليل أداء اللاعبين، والتوقعات البدنية والإصابات. ويستهدف نادي لايبزيغ الألماني تلك التقنية في اكتشاف المواهب وتطويرها.
اكتشاف المواهب
لم تعد مواهب الكرة تُكتشف فقط عبر أعين الكشّافين، بل أصبح الذكاء الاصطناعي شريكاً أساسياً في رصد اللاعبين الواعدين من خلال تحليل مقاطع الفيديو، ومطابقة الأنماط الفنية والبدنية مع نجوم سابقين.
وبفضل تلك التقنية، تمكن فريق تحليل البيانات في نادي ليفربول من اكتشاف موهبة محمد صلاح قبل انضمامه للريدز، عام 2017، إذ أظهرت خوارزميات الأداء أن اللاعب المصري يُنتج فرصاً تهديفية عالية بشكل منتظم حتى في الفرق المتوسطة، ونجح ليفربول كذلك في اكتشاف موهبة السنغالي، ساديو ماني، الذي لم يكن اسماً لامعاً وقت لعبه في ساوثهامبتون، لكن التحليل البياني أظهر انسجامه المثالي مع أسلوب الضغط العالي.
كما تم اختيار عشرات اللاعبين بمثل هذه الطريقة، بعد أن أظهرت الخوارزميات تكراراً عالياً لتحركاتهم الفعّالة، ومن بينهم النيجيري فيكتور أوسيمن، الذي تم اكتشافه من قبل الكشافين المعتمدين على برامج الذكاء الاصطناعي، وأظهرت قدراته العالية على التحرك داخل الصندوق.
السترات الذكية وأجهزة التتبع
أصبحت السترات الذكية المزودة بأجهزة تتبّع GPS جزءاً لا يتجزأ من تدريبات الفرق، حيث تُسجل نبضات القلب، ومعدل الجري، والجهد البدني، ومؤشرات التعب، ما يساعد الأجهزة الفنية على ضبط الأحمال التدريبية بدقة متناهية، ويساعد في الوقاية من الإصابات، وتحسين الأداء الفردي والجماعي، ويُعد نادي أرسنال الإنجليزي أول من استخدام السترات الذكية عام 2011 تحت إشراف المدرب الفرنسي آرسين فينغر، الذي كان رائداً في إدخال العلوم الرياضية إلى كرة القدم الإنجليزية.
وبدأت أندية إنجليزية مثل مانشستر يونايتد، وليفربول، ومانشستر سيتي، بتبني هذه التقنية خلال الفترة منذ عام 2012. وعلى الصعيد الدولي، كان منتخب ألمانيا من أول من استخدموها بشكل مكثف خلال استعداداتهم لكأس العالم 2014.
الواقع الافتراضي في التدريب والتحليل
تستخدم بعض الأندية الرائدة الواقع الافتراضي لتدريب اللاعبين على اتخاذ القرار في مواقف الضغط، فيما توفّر تقنية الواقع المعزز إمكانات تحليل بصري غير مسبوقة للمباريات، تتيح للاعبين رؤية الملعب من زوايا متعددة، وتوقّع تحرّكات الخصم.
تقنية «VAR»
أحدثت تقنية الـ«VAR» تحوّلاً جذرياً في إدارة المباريات، حيث مكّنت الحكّام من مراجعة القرارات الحاسمة كالأهداف وركلات الجزاء والبطاقات الحمراء، على الرغم من الجدل الذي أثارته حول إيقاع المباراة، إلا أنها أسهمت في تقليص هامش الخطأ البشري، واضعة العدالة في صلب المنافسة.
خالد عبيد: أنديتنا خارج نطاق الخوارزميات
أكد المحلل الرياضي مدير الكرة السابق في نادي النصر، خالد عبيد، أن برامج الخوارزميات التي تُعزّزها البيانات والتحليلات المتقدمة، ليست موجودة في الأندية المحلية، ولم تُطبق بشكل كامل أو حتى جزئي في عملية انتقاء اللاعبين.
وقال عبيد لـ«الإمارات اليوم»: «الحديث عن استخدام الخوارزميات وتقنيات الذكاء الاصطناعي في التعاقدات واكتشاف اللاعبين، يُعدّ أمراً جميلاً على الورق فقط، لكن الواقع مختلف تماماً، فمعظم أنديتنا لا تمتلك البنية التقنية أو الكفاءات المتخصصة لتطبيق هذه النماذج التحليلية».
وأضاف: «مثل هذه البرامج تحتاج إلى كلفة مالية عالية للغاية لا تقوى أنديتنا على تحملها، عكس أندية أوروبا، كما أنها ستكون بحاجة إلى الاستعانة بخبراء متخصصين في إدارة تلك التقنية».
وأشار: «مازالت أنديتنا تعتمد على الحدس والعلاقات الشخصية، وآليات اختيار اللاعبين منحصرة في وكلائهم، وهذا ما يجعل عملية انتقاء اللاعبين محصورة في أيدي بعض الأشخاص ممن لهم مصلحة مباشرة في تسويق لاعبيهم، وهذا الأسلوب يعيق التحول نحو أساليب تعتمد على تحليل البيانات بشكل منهجي».
وأكمل: «لا يمكن إنكار أن التقنية المتطورة أصبحت جزءاً أساسياً من كرة القدم الحديثة، لكننا مازلنا متأخرين في هذا السباق، هناك حاجة إلى خطة ودعم مؤسسي لتبني هذه الأساليب على مستوى الأندية».
وأوضح: «نعم، تلك التقنية بحاجة إلى أموال كبيرة، لكنها في الحقيقة كلفة استثمارية ستوفر ملايين الدراهم التي تُهدر على تعاقدات غير دقيقة».
وختم خالد عبيد تصريحاته: «نحتاج إلى تغيير ثقافة التعاقدات من الداخل، متى ما اقتنع صناع القرار في الأندية بأهمية مثل هذه التقنيات المتطورة، حينها فقط ستُستخدم الخوارزميات كأداة لصناعة الفارق».
• كرة القدم أصبحت علماً دقيقاً تديره الخوارزميات وتُعزّزه البيانات والتحليلات المتقدمة.
نقدم لكم زوارنا الكرام أهم وآخر المستجدات كما وردت في المقال التالي: الذكاء الاصطناعي يترك بصمته في مونديال الأندية - تليجراف الخليج اليوم الجمعة 27 يونيو 2025 12:26 صباحاً
0 تعليق