نقدم لكم زوارنا الكرام أهم وآخر المستجدات كما وردت في المقال التالي: لماذا تحتاجُ البلديّات إلى القيادة؟ والانتقال بأُسلوبِ الإدارةِ في العملِ البلديّ - تليجراف الخليج اليوم الاثنين الموافق 30 يونيو 2025 12:54 مساءً
لماذا تحتاجُ البلديّات إلى القيادة؟ والانتقال بأُسلوبِ الإدارةِ في العملِ البلديّ
المحاضرُ بالتمكينِ السياسيِّ والتنميةِ والمشاركةِ المجتمعية: فارسُ متروكٌ شديفات
في ظلِّ التحدّياتِ المتزايدةِ التي تواجهُ المجتمعاتِ، لم يَعُدْ كافيًا أن نُديرَ المؤسّساتِ العامةَ، وعلى رأسِها البلديّاتُ، بأساليبَ تقليديةٍ تعتمدُ على الجداولِ والتنظيماتِ والإجراءاتِ اليوميةِ، فالمطلوبُ اليومَ هو التحوُّلُ من مجرّدِ "الإدارةِ" إلى "القيادةِ" المؤسسيةِ لتطويرِ أداءِ العملِ البلديّ.
هذه النقلةُ ليست شكليةً، بل تُمثّلُ جوهرًا في تطويرِ الأداءِ وتحقيقِ نتائجَ ملموسةٍ ومستدامةٍ في خدمةِ المواطنِ والمجتمعِ المحليّ.
ولعلَّ من المفيدِ أن نذكرَ أن الإدارةَ تُعنى بتسييرِ الأعمالِ وتنفيذِ المهامِّ اليوميةِ؛ فالمديرُ يحرصُ على الانضباطِ، متابعةِ الحضورِ، صرفِ الميزانيةِ، والتأكّدِ من تنفيذِ الأنشطةِ كما خُطِّطَ لها، أمّا القائدُ، فبالإضافةِ إلى القيامِ بما سبق، فهو الشخصُ الذي يرى الصورةَ الكبرى، يحملُ رؤيةً مستقبليةً، يُعزّزُ المشاركةَ المجتمعيةَ والتواصلَ، يُحفّزُ فريقَه، ويقودُ المؤسسةَ نحوَ التغييرِ والتحسين المستمر. . .
فالإدارةُ تُركّزُ على "المهمّةِ" الحاليةِ، بينما القيادةُ تهدفُ إلى تحقيقِ "الرؤيةِ" المستقبليةِ؛ المديرُ قد يكتفي بتطبيقِ اللوائحِ، لكن القائدَ يسعى لإعادةِ صياغةِ هذه اللوائحِ بما يخدمُ الهدفَ الأسمى للمؤسسةِ.
ولعلَّ من المناسبِ أن نؤكّدَ أن العملَ البلديَّ ليس قطاعًا خدميًّا جامدًا، بل هو صلةٌ مباشرةٌ وبطبيعتِه مرتبطٌ بالمواطنِ، بخدماتِه اليوميةِ، بجودةِ حياتِه، فعندما تكونُ البلديةُ تُدارُ بعقليةٍ إداريةٍ فقط، تصبحُ مجرّدَ مؤسسةٍ بيروقراطيةٍ لا تتجاوبُ مع متطلباتِ السكانِ المتغيرةِ، أمّا عندما تُقادُ برؤيةٍ قياديةٍ، فإنها تتحولُ إلى محركٍ للتنميةِ المحليةِ، وتصبحُ جزءًا فاعلًا في تحسينِ نوعيةِ الحياةِ وتحقيقِ التنميةِ المستدامةِ، وهو المطلوبُ كاستجابةٍ لواقعِ الحالِ.
القائدُ في عملِ البلديةِ الإداريِّ والتنفيذيِّ لا يقتصرُ دورُه على تنفيذِ التعليماتِ، بل يتبنى رؤيةً تطويريةً، ويعملُ على تدريب وتمكينِ الموظفينَ، وتحفيزِهم، وتنميةِ قدراتِهم، كما يسعى لإشراكِ المجتمعِ المحليِّ في صناعةِ القرارِ، وهو ما يُعزّزُ الشفافيةَ والمساءلةَ.
وبناءً على تلك المعطياتِ السابقةِ، وللانتقالِ من الإدارةِ إلى القيادةِ، يجبُ توفّرُ عدّةِ صفاتٍ فيمَن يتولى المسؤوليةَ الإداريةَ والتنفيذيةَ في العملِ البلديِّ، أهمُّها قدرتُه وامتلاكُه الرؤيةَ المستقبليةَ؛ فالقائدُ يرى ما وراءَ الحاضرِ، يُخطّطُ لبلديةٍ أكثرَ تطورًا، يسعى لتحقيقِ رؤيةِ التحديثِ الاقتصاديِّ التنمويِّ، والتطويرِ الإداريِّ ولا يكتفي بحلِّ مشكلاتِ اللحظةِ.
كذلك القدرةُ على التأثيرِ والتحفيزِ؛ فالقيادةُ تقومُ على التأثيرِ، لا على فرضِ السلطةِ، فالقائدُ يُلهِمُ فريقَه، يزرعُ الحماسَ فيهم، ويجعلُهم جزءًا من الحلمِ الجماعيِّ.
ومن الصفاتِ الواجبِ توفّرُها بقادةِ العملِ البلديِّ، التمكينُ وتنميةُ الكفاءاتِ؛ فلا يكفي أن يكونَ الفريقُ يعملُ؛ بل يجبُ أن ينمو، وعلى القائدِ أن يُحدِّدَ نقاطَ القوّةِ والضعفِ والفرصِ والتحدياتِ، ويستثمرَها ويستجيبَ لها، فيُدرّبَ العاملينَ، ويخلقَ صفًّا ثانيًا من القادةِ.
كذلك الاستقامةُ والقدوةُ؛ فالنزاهةُ والشفافيةُ عنصرانِ أساسيّانِ في القيادةِ، فالقائدُ يكونُ قدوةً في السلوكِ، والأخلاقِ، وفي الالتزامِ.. .
ومن صفاتِ قادةِ العملِ البلديِّ، التمتّعُ بالمرونةِ وتقديرُ الموقفِ؛ فليس هناك أسلوبُ قيادةٍ واحدٌ مناسبٌ لكلِّ الأوقاتِ.؛ أحيانًا تحتاجُ قيادةٌ حازمةٌ لتجاوزِ الأزماتِ، وأحيانًا أُخرى تحتاجُ قيادةٌ تشاركيةٌ لتوليدِ الإبداعِ.
وفي ذاتِ السياقِ وللانتقالِ العمليِّ، والتحولِ من الإدارةِ نحوَ القيادةِ في البلدياتِ، لا بدَّ من اتخاذِ خطواتٍ ملموسةٍ منها، إعادةُ هيكلةِ الثقافةِ المؤسسيةِ عبرَ تأسيسٍ وبناءِ ثقافةٍ تُشجّعُ المبادرةَ، تتسامحُ مع الخطأِ، وتُكافئُ الإنجازَ، بدلًا من الاكتفاءِ بالروتينِ.
كذلك تدريبُ القياداتِ البلديةِ، والاستثمارُ في تطويرِ المهاراتِ القياديةِ من خلالِ برامجَ تدريبٍ مستمرةٍ في مجالاتِهم المتخصصةِ، وفي مجالِ التحفيزِ، والتواصلِ، وإدارةِ التغييرِ، والقيادة التحويلية.
ومن الخطواتِ التي تُساهمُ بالانتقالِ العمليِّ والتحولِ من الإدارةِ نحو القيادةِ في البلدياتِ اعتمادُ منهجِ القيادةِ الموزعةِ، عبرَ تفويضٍ وتمكينِ المدراءِ ورؤساءِ الأقسامِ من صناعةِ واتخاذِ القرارِ والمشاركةِ في وضعِ الحلولِ، بدلًا من المركزيةِ المفرطةِ والترددِ والتسويفِ.
كذلك تحقيقُ التفاعلِ مع المجتمعِ، بإشراكِ المواطنينَ في وضعِ الأولوياتِ وسلّمِ الاحتياجاتِ، واطلاعِهم على الخططِ والمشاريعِ، وزيادةِ قنواتِ التواصلِ والاتصالِ الشفافةِ.
وللانتقالِ العمليِّ، والتحولِ من الإدارةِ نحو القيادةِ في البلدياتِ، لا بدَّ من توظيفِ التكنولوجيا كأداةٍ للتمكينِ لا للمراقبةِ فقط؛ فالتحولُ الرقميُّ يجبُ أن يصبَّ في تسريعِ العملِ وتعزيزِ كفاءةِ الخدمةِ وليس فقط في متابعةِ الموظفِ ومراقبتِه.
وتُشيرُ دراساتُ الخبراءِ، أن نموذجَ القيادةِ الناجحةِ في العملِ البلديِّ، يُمارسُ أربعةَ أدوارٍ رئيسيةٍ: تبدأُ بصياغةِ الرؤيةِ؛ عبرَ تخطيطٍ ووضعِ استراتيجيةٍ تُمثّلُ طموحًا جماعيًا يُوجّهُ البلديةَ نحوَ مستقبلٍ أفضلَ، وتنفيذِ الاستراتيجيةِ؛ بتحويلِ الرؤيةِ إلى خططٍ قابلةٍ للتنفيذِ، وتطويرِ وتدريبِ الموظفينَ وفِرَقِ العملِ؛ بالاستثمارِ في العنصرِ البشريِّ وصقلِ مهاراتِهم وقدراتِهم، وأخيرًا نشرُ الثقةِ؛ عبرَ بناءٍ وتعزيزِ بيئةِ عملٍ صديقةٍ يشعرُ فيها الموظفونَ بالأمانِ والدافعيةِ.
فهذه الأدوارُ لو تمَّ تطبيقُها في البلدياتِ، لتحوّلتْ إلى مؤسساتٍ فعّالةٍ تُحدثُ فرقًا حقيقيًا في حياةِ الناسِ.
إذًا التحولُ من أُسلوبِ الإدارةِ إلى منهجِ القيادةِ في العملِ البلديِّ ضرورةٌ في العصرِ الرقميِّ، في ظلِّ زيادةِ توقّعاتِ المواطنينَ، وتعقّدِ المشكلاتِ المحليّةِ، فكلُّها تتطلبُ قياداتٍ قادرةً على إعدادِ وصياغةِالرؤيةِوالتأثيرِوالتنفيذِ..
لذا على قادةِ العملِ البلديِّ الإداريِّ والتنفيذيِّ ذوي الخبرةِ والمعرفةِ والتجاربِ، أن يُغادروا مربعَ التسييرِ اليوميِّ، ويدخلوا عالمَ التغييرِ والتحفيزِ والمشاركةِ، وهم الأقدرُ على ذلك، فالقائدُ البلديُّ هو الذي لا يُديرُ فقط، بل يُلهِمُ، ويُحفّزُ، ويقودُ مجتمعَه وبلديتَه نحوَ الأفضلِ.
مقال المحاضرُ بالتمكينِ السياسيِّ والتنميةِ والمشاركةِ المجتمعية: فارسُ متروكٌ شديفات
نشكركم على القراءة، ونتطلع لمشاركتكم في مقالاتنا القادمة للحصول على أحدث الأخبار والمستجدات.
0 تعليق