كارثة التسمم بالكحول في الأردن: بين فاعلية التدخل الأمني والطبي وضعف الرقابة والإجراءات الإستقصائية #عاجل - تليجراف الخليج

0 تعليق ارسل طباعة

نقدم لكم زوارنا الكرام أهم وآخر المستجدات كما وردت في المقال التالي: كارثة التسمم بالكحول في الأردن: بين فاعلية التدخل الأمني والطبي وضعف الرقابة والإجراءات الإستقصائية #عاجل - تليجراف الخليج اليوم الثلاثاء الموافق 1 يوليو 2025 04:52 مساءً

كتب اللواء المتقاعد د. موسى العجلوني * 

"الميثانول" هو أبسط أشكال المنتجات الكحولية في مجموعة الكيماويات العضوية، وهو سائل شفاف عديم اللون يذوب في الماء مع سهولة التحلل بيولوجياً، وهو من العناصر الكيميائية الأساسية متعددة الاستخدامات، ويدخل في إنتاج آلاف المنتجات التي تمس حياتنا اليومية مثل مواد البناء والرغاوي وصناعة البلاستيك والدهانات. وتجدر الإشارة إلى أن 99% من الإنتاج العالمي للميثانول مصدره الغاز الطبيعي أو الغازات المستخرجة من النفط وقد ينتج بكميات بسيطة غير صناعية من بواقي الفواكه المخمرة.

والميثانول ليس سامًا في حد ذاته، ولكنه يتحول عند ابتلاعه إلى حمض الفورميك شديد السُمّية، وقد يسبب فشل العديد من أعضاء الجسم والعمى وتلف الدماغ والوفاة. يتفشى التسمم بالميثانول عادة عند إضافته إلى المشروبات الكحولية لكسب المال.

شهد الأردن في أواخر حزيران 2025 واحدة من أخطر حوادث التسمم الجماعي بسبب الكحول الملوثة ، حيث أودت بحياة تسعة أشخاص وأدت الى اكثرمن 27 إصابة حرجة ومتوسطة، بينها حالات فقدان للبصر وفشل كلوي ، معظمهم من محافظة الزرقاء ومادبا، وذلك بعد تناولهم مشروبات كحولية مغشوشة بمادة الميثانول السامة وظهور مؤشرات وأدلة على تورط مصانع للخمور وموزعين غير شرعيين أو متلاعبين في تصنيع هذه المشروبات.

هذه الأزمة الخطيرة كشفت عن تفاوت واضح بين فاعلية التدخلات الأمنية والطبية والقضائية من جهة، وضعف الرقابة الوقائية والاستقصائية من جهة أخرى. وفي حين أظهرت السلطات الأردنية قدرة سريعة على احتواء الأزمة، فإنها لم تستطع منعها في المقام الأول، مما يثير تساؤلات حول البنية الرقابية ومجال التحسين المستقبلي.

أظهرت الجهات الأمنية والفرق الطبية استجابة سريعة ومتماسكة: تم إغلاق 7 مصانع غير قانونية في الزرقاء ومادبا ودير علا وعمّان ،وتوقيف عدد من المشتبه بهم، ومصادرة كميات من الكحول المغشوش في السوق. واستقبلت المستشفيات الحالات ووفرت الرعاية الحرجة، من ضمنها استخدام مضادات السموم وتقديم دعم متخصص من مركز السموم الوطني. ساهم هذا التنسيق الأمني والطبي في احتواء الأزمة بسرعة، ومنع انتشار أكبر للمادة السامة في الأسواق.

من جهة اخرى، من العناصر اللافتة في التعامل مع الحادثة كانت السرعة اللافتة في تحريك الدعوى العامة واتخاذ إجراءات قضائية فورية بحق المتورطين.حيث أصدر الإدعاء العام مذكرات توقيف وتحقيقات موسّعة خلال 24 ساعة من تسجيل أول حالة وفاة، وتم تحويل المصانع المتورطة إلى القضاء، وبدأت إجراءات محاكمة المعنيين بتهم القتل غير العمد وتعريض حياة المواطنين للخطر. فالقضاء الأردني تحرك بالتوازي مع الأمن، مما أعطى رسالة قوية بأن المحاسبة لن تتأخر أو تُطوَى كما في قضايا مشابهة سابقًا.

بالمقابل، رغم النجاحات الطبية والأمنية والقضائية، بينت الكارثة أن الرقابة الوقائية كانت الغائب الأكبر. فقد تتبين أن ضعف الرقابة الوقائية كان سببًا مباشرًا لحدوثها وذلك لوجود مصانع مرخصة تخلط الميثانول دون رقابة فعّالة وغياب الجولات التفتيشية الدورية والفجائية على منشآت إنتاج وتوزيع الكحول وعدم وجود سجل تتبع فعال للمنتجات الكحولية المحلية. هذه الفجوات تسمح بتكرار الحوادث نفسها، وتؤكد ضرورة إعادة هيكلة الرقابة على قطاع الكحول وباقي قطاعات انتاج المواد الغذائية.

إضافة إلى ضعف الرقابة، كان هناك قصور واضح في الإجراءات الاستقصائية التي كان من المفترض أن تسبق الكارثة وتليها مباشرة مثل تتبع الشبكات المشبوهة في تداول الكحول، والمواد التي تدخل في تصنيعه ،والتحقيقات الاستقصائية حول مصانع الكحول المشكوك بها ، وتتبع جميع الأشخاص الذين تناولوا المواد الكحولية من المصانع المشبوهة وتتبع المستجدات في عملية تصنيع الكحول، وغيرها من الإجراءات الإستقصائية التي اثار العديد من الأسئلة حولها الدكتور سعد خرابشة وزير الصحة الأسبق والمختص في الوبائيات ونشرها على موقع jo24 الإخباري.

تعيد الحادثة الأردنية للأذهان حوادث مشابهة في دول أخرى نسوق امثلة لبعضها: حيث توفي في مصر عام (2020) 7 اشخاص من كحول مغشوش منزلي، وفي الهند توفي 150 شخصا عام (2019) نتيجة تناولهم لمشروبات كحولية ملوثة بمادة الميثانول، وفي المكسيك توفي 42 شخصا عام (2020) نتيجة تناولهم لكحول مهربة ملوثة بالميثانول. ما يميز الأردن في هذه الحالة هو التكامل بين الأمن والطب والقضاء، لكن ما يشترك فيه مع دول أخرى هو القصور في الرقابة المسبقة التي تسبق الكارثة.

نوصي بإنشاء وحدة في المركز الوطني لمكافحة الاوبئة والامراض السارية للرصد الاستقصائي الغذائي والكحولي، وإلزام مصانع المشروبات الكحولية بتوثيق عمليات الإنتاج والتوزيع في نظام رقمي مركزي، وإجراء رقابة دورية وموثقة حول جميع المراحل المرتبطة بتصنيع الكحول بشكل خاص والمواد الغذائية بشكل عام، وتغليظ العقوبات القانونية على منتجي ومروجي المواد الكحولية المغشوشة ، والاستفادة من الذكاء الاصطناعي في تحليل البيانات لتحديد أنماط تداول غيراعتيادية للمشروبات الكحولية.

وفي الختام ، بينما أظهر الأردن كفاءة لافتة في التعامل الأمني والطبي والقضائي مع أزمة الميثانول، فإن القصور في الرقابة الوقائية والإجراءات الاستقصائية يضع الجهات الرسمية أمام مسؤولية إصلاح حقيقية. إن هذه الكارثة ليست فقط درسًا في الاستجابة، بل دعوة لهيكلة نظام وقائي استباقي يعتمد على اليقظة لا على ردّ الفعل. فحماية الأرواح لا تتحقق فقط بالمحاسبة والعقاب، بل بمنع الكارثة من الوقوع أصلًا.

 

* الكاتبعضو المكتب السياسي ورئيس المجلس الإجتماعي/حزب المستقبل والحياة الأردني

نشكركم على القراءة، ونتطلع لمشاركتكم في مقالاتنا القادمة للحصول على أحدث الأخبار والمستجدات.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق