تصعيد بالنار والدبلوماسية... ماذا لو لم تلتزم إسرائيل بـ"ورقة برّاك"؟ - تليجراف الخليج

0 تعليق ارسل طباعة

شكرًا لمتابعتكم، سنوافيكم بالمزيد من التفاصيل والتحديثات الاقتصادية في المقال القادم: تصعيد بالنار والدبلوماسية... ماذا لو لم تلتزم إسرائيل بـ"ورقة برّاك"؟ - تليجراف الخليج ليوم السبت 5 يوليو 2025 02:18 صباحاً

قبل أيام قليلة من زيارة المبعوث الأميركي توم براك المرتقبة إلى لبنان الأسبوع المقبل، والتي يفترض أن يتلقى خلالها جوابًا "واضحًا وحاسمًا" حول ورقة المقترحات التي قدّمها للمسؤولين اللبنانيين، بما في ذلك "جدولة" سحب سلاح "حزب الله"، تتسارع الخطى على جبهتي الجنوب اللبناني والمقار الدبلوماسية في بيروت، في سباق واضح، بين التصعيد الإسرائيلي بالنار والضغوط السياسية التي تسبق الزيارة، وربما تواكبها إلى حدّ بعيد.

ففي وقتٍ عادت الغارات الإسرائيلية على الجنوب اللبناني لتسجّل "ذروة جديدة" بعد تراجع وتيرتها في الآونة الأخيرة، خصوصًا بعد تفجّر الحرب المباشرة بين إسرائيل وإيران، بلغ التصعيد أشدّه مع استهداف سيارة بعد ظهر الخميس، في منطقة خلدة عند المدخل الجنوبي للعاصمة بيروت، وهو ما برّره الجيش الإسرائيلي بالقول إنّ المُستهدَف شخص ينشط في "تهريب الأسلحة" لمصلحة "فيلق القدس" التابع للحرس الثوري الإيراني.

ولعلّ خطورة هذا التصعيد تكمن في الشكل قبل المضمون، بمعزل عن هوية الشخصية أو الجهة المُستهدَفة، باعتبار أنّ الخروقات الإسرائيلية ل​اتفاق وقف إطلاق النار​، على كثرتها، بقيت "محصورة" في مناطق جغرافية معيّنة، حتى لو كرّست تل أبيب لنفسها ما وصفته بـ"حرية الحركة" على كامل الأراضي اللبنانية، حيث لم تسجَّل عمليات اغتيال بهذا المعنى خارج الجنوب سوى في الضاحية الجنوبية يوم عيد الفطر، وفي منطقة الناعمة.

في هذه الأثناء، يبدو المشهد الداخلي اللبناني متحرّكًا على إيقاعين: الأول تقوده الدولة عبر لجنة رسمية تعكف على إعداد ردّ على الورقة الأميركية، والثاني تفرضه مواقف "حزب الله" الرافضة لأي نقاش في مسألة السلاح أو شروط "العدو"، على حد تعبير قياداته، في وقت تتزايد فيه التساؤلات عمّا إذا كانت إسرائيل نفسها ملتزمة بما يُعرض اليوم، وهي التي لم تحترم في السابق أي اتفاقيات تهدئة أو وقف إطلاق نار.

في المبدأ، يمكن الحديث عن "انسجام" بين الضغوط الدبلوماسية والنارية على لبنان في هذه المرحلة، وعشيّة زيارة المبعوث الأميركي توم برّاك، فمنذ أكثر من أسبوعين، تتزايد وتيرة الغارات الإسرائيلية على مناطق متفرقة من الجنوب اللبناني، وصولاً إلى منطقة خلدة جنوب بيروت، وهي استهدافات يرى مراقبون أنّها تحمل رسائل ميدانية ضاغطة، وتستهدف رفع سقف التفاوض قبل اتضاح اتجاهات الموقف اللبناني الرسمي.

وبالتوازي مع هذه الضغوطات النارية، التي لا يُستبعَد أن تزداد وتيرتها في اليومين المقبلين، في حال شعر الإسرائيليون بوجود أي تلكؤ على مستوى التجاوب مع "ورقة برّاك"، يزداد الترقّب لزيارة المبعوث الأميركي المرتقبة إلى بيروت، والتي تسرّب واشنطن بوضوح أنّها تريد أن "تنتزع" من خلالها جوابًا رسميًا حاسمًا حول المقترحات التي عرضها سابقًا، وخصوصًا في ما يتعلق بآلية سحب السلاح، مع تحديد جدول زمني واضح لذلك.

وفي وقتٍ تتكثّف الاتصالات في لبنان لإعداد الردّ الرسمي على ورقة المقترحات الأميركية، تشير التسريبات إلى أنّ معظم البنود تمّ التوافق عليها، بما يراعي "السيادة اللبنانية" من جهة، ولكن "يضمن" استمرار الحوار مع واشنطن، وينسجم مع الشعار الذي رفعه رئيس الجمهورية جوزاف عون لعهده، وتبنّته حكومة الرئيس نواف سلام، والذي يقوم على مبدأ "حصر السلاح بيد الدولة"، بما يعني عمليًا نزعه من أيّ طرف لا يمثّل الدولة بصورة رسمية.

مع ذلك، ثمّة في لبنان من يعتقد أنّ الأمور يجب أن تُعالَج بهدوء ورويّة، بعيدًا عن أيّ "حماسة زائدة" قد تؤدّي إلى "توتير" الوضع أكثر، فسحب السلاح مثلاً لا يمكن أن يتمّ بين ليلةٍ وضُحاها، والتنسيق مع "حزب الله" بشأنه أكثر من ضروريّ، تفاديًا لأيّ ردات فعل غير محسوبة، علمًا أنّ هذا التنسيق حقّق نتائج مهمّة يمكن البناء عليها في مناطق جنوب الليطاني، حيث تسلّم الجيش اللبناني المعسكرات التي كانت تابعة للحزب، بما فيها من أسلحة ومعدّات.

وفيما لا يزال الموقف الرسمي اللبناني "قيد التشكّل" بانتظار عودة برّاك الأسبوع المقبل، لوحظ أنّ "حزب الله" اختار أن يرفع منسوب خطابه السياسي في مواجهة ما يصفه بعض العارفين بأدبيّاته، "محاولة لفرض الشروط الإسرائيلية بغطاء أميركي". في هذا السياق، كرّر أمينه العام الشيخ نعيم قاسم، الكلام عن "رفض تسليم السلاح للعدو"، على حدّ وصفه، معتبرًا أنّ مسألة نقاش السلاح أو غيره تُعدّ قضايا داخلية "نعالجها داخليًا"، وفق وصفه.

وفيما يُنتظر أن يرفع "حزب الله" السقف أكثر في خطاب أمينه العام المنتظر يوم الأحد المقبل، في ذكرى عاشوراء، وهي المناسبة التي لطالما كان الأمين العام السابق السيد حسن نصر الله يغتنمها لتوجيه الرسائل الواضح، كان لافتًا دخول كتلة "الوفاء للمقاومة" على الخط بدعوة الدولة اللبناني إلى ردّ واضح وقوي، ولكن أيضًا "سيادي" على ورقة المقترحات الأميركية، وهو ما ألمح إلى وجود "تحفّظات أساسيّة" على مضمون هذه الورقة بالنسبة إلى الحزب.

ويؤكد مراقبون أنّ هذه التحفّظات تقوم أولاً على تبنّي الورقة الأميركية للسرديّة الإسرائيلية كما هي، من دون أيّ اجتهاد، أو حتى محاولة إرساء توازن، على الرغم من أنّ إسرائيل هي المعتدية، وهي التي خرقت اتفاق وقف إطلاق النار أكثر من 3700 مرة، مقابل خرق وحيد تبنّاه الحزب، بدا أقرب إلى رسالة رمزية منه إلى تصعيد ميداني، ومع ذلك فإنّ الحزب هو المُطالَب اليوم باتخاذ خطوات، بدل الضغط على إسرائيل أولاً لتنسحب على الأقلّ من المناطق التي تحتلّها، وتوقف اعتداءاتها على الأراضي اللبنانية.

وفي هذا السياق، ثمّة سؤال جوهري يطرح نفسه اليوم، بالنسبة إلى الكثير من المتابعين، وهو: ما الذي يضمن التزام إسرائيل بأي اتفاق أو تفاهم، في حال وافق لبنان على الورقة الأميركية أو أجزاء منها؟ وما الذي يضمن عدم تكرار سيناريو اتفاق وقف إطلاق النار، حين نفّذ لبنان كلّ مندرجاته، وبقيت إسرائيل تسرح وتمرح، بل في حالة حرب من طرف واحد؟ وبالتالي، ما الذي يضمن أن تلتزم هذه المرة بما لم تلتزم به سابقًا؟

في ضوء هذا الواقع، تبدو زيارة براك الأسبوع المقبل محطة مفصلية في شكلها ومضمونها، وإن لم تنضج معطياتها حتى الساعة، فهل تكون "النقطة الصفر" فعلاً لتحقيق شعار "حصر السلاح بيد الدولة"، أم أنّ الدولة "ستصارح" الرجل بضرورة منحها المزيد من الوقت، منعًا لأيّ "صدام" غير مُجدٍ؟ الأسئلة كثيرة، والإجابات مرهونة بالتطورات على الأرض، ليبقى الثابت أنّ السلاح سيبقى في صلب النقاش، بعد تجاوز كلّ المحظورات...

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق