نقدم لكم زوارنا الكرام أهم وآخر المستجدات كما وردت في المقال التالي: الضفة جبهة أخرى لتصفية القضية.. بيانات صادمة وزحف استيطاني لا يتوقف #عاجل - تليجراف الخليج اليوم الأربعاء الموافق 9 يوليو 2025 05:59 مساءً
في مشهد لا يقل قسوة عن نكبة غزة المستمرة منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023، والتي أدت إلى استشهاد أكثر من 45 ألف فلسطيني حتى يوليو/تموز 2025، وفق وزارة الصحة الفلسطينية، تعيش الضفة الغربية نكبتها الخاصة، وسط صمتٍ دولي وإقليمي.
فبينما تتعرض غزة لإبادة جماعية متواصلة على مرأى العالم، تتواصل في الضفة الغربية عملية تهجير ممنهجة، تنفذها حكومة اليمين الإسرائيلي المتطرف، بأدوات الاستيطان والضم وعنف المستوطنين، وسط غياب أي موقف عربي أو دولي حازم يوقف هذا النّزف الصامت.
زحف استيطاني وعنف لا يتوقف
شهد العام 2025 تسارعا غير مسبوق في وتيرة الاستيطان في الضفة الغربية، بما يشبه سباقًا مع الزمن لتثبيت "الوقائع على الأرض".
ووفق "هيئة مقاومة الجدار والاستيطان"، فقد صادقت حكومة بنيامين نتنياهو خلال النصف الأول فقط من هذا العام على بناء أكثر من 17 ألف وحدة استيطانية جديدة، تركز أغلبها في مناطق نابلس والخليل وبيت لحم، في إطار إستراتيجية ربط المستوطنات بعضها ببعض وتقطيع أوصال الضفة.
وتشير معطيات منظمة "بتسيلم" في تقريرها الصادر في مايو/أيار 2025 إلى أن عدد المستوطنين في الضفة تجاوز 730 ألفًا، أي بزيادة 8% عن العام الماضي، وهو ما يؤكد أن السياسات الإسرائيلية تسير نحو تكريس الضم الفعلي، لا التجميد أو التفاوض.
كما كشفت صحيفة "هآرتس" في 20 يونيو/حزيران 2025 أن الحكومة خصصت 5.6 مليارات شيكل (نحو 1.5 مليار دولار) لتوسيع البنى التحتية الاستيطانية، تشمل طرقًا وشبكات مياه وكهرباء، في خطة تُنفّذ على عجل قبيل أي تغييرات محتملة في البيئة الدولية أو السياسية الأميركية.
من جهة أخرى، صار عنف المستوطنين جزءًا متجذرا في أدوات تهجير الفلسطينيين. فوفق مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة (أوتشا)، تم توثيق 1375 حادث عنف من المستوطنين منذ بداية 2025، بزيادة 30% عن نفس الفترة من العام السابق، وتنوّعت بين حرق أراضٍ، وتكسير سيارات، واقتحام قرى وبلدات، وصولاً إلى اعتداءات جسدية قاتلة.
وفي ترمسعيا شمال رام الله، أحرق مستوطنون عشرات الدونمات من كروم العنب في أبريل/نيسان 2025، كما وثّقت منظمة "يش دين"، وسط غطاء واضح من الجيش الإسرائيلي الذي منع فرق الإطفاء من الوصول بسرعة إلى الموقع.
وفي مؤتمر صحفي في جنيف في 28 يونيو/حزيران الماضي، صرّحت المتحدثة باسم مكتب حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بأن "السلطات الإسرائيلية تتقاعس بشكل منهجي عن محاسبة المستوطنين، ما يخلق مناخًا من الإفلات من العقاب ويشجّع على تكرار الانتهاكات".
هذا التواطؤ، بحسب مراقبين، لا يعدّ مجرد تجاهل، بل سياسة مقصودة ضمن هندسة بيئة طاردة للفلسطينيين في المناطق المصنفة "ج"، والتي تمثّل أكثر من 60% من الضفة.
قوانين مدنية بأهداف عسكرية
ويرى مراقبون أن الضم لا يُمارَس فقط ببناء المستوطنات، بل بأدوات تبدو قانونية في الظاهر، لكنها تحمل في جوهرها نية السيطرة على الأرض. فقد وثّقت وزارة الأشغال العامة الفلسطينية في تقريرها السنوي مصادرة أكثر من 12 ألف دونم منذ بداية العام لشق طرق استيطانية جديدة، أبرزها الطريق الذي يربط مستوطنة "إيتمار" جنوب نابلس بمستوطنة "شيلو" قرب رام الله.
وتعليقًا على ذلك، قال حنا عيسى، أمين عام الهيئة الإسلامية المسيحية لنصرة القدس في 3 يونيو/حزيران 2025 إن "إسرائيل تستخدم القوانين المدنية كأدوات ضم هادئة؛ كأن تسنّ قوانين للتنظيم والبناء، لكنها تمنح التراخيص للمستوطنات وترفضها للفلسطينيين، ما يجعل من البناء الفلسطيني "غير قانوني" في نظر الاحتلال".
وأكد تقرير لمنظمة "هيومن رايتس ووتش" في يونيو/حزيران أن إسرائيل هدمت أكثر من 210 منازل فلسطينية في مناطق (ج) في النصف الأول من 2025، بحجة عدم الترخيص، رغم أن سلطات الاحتلال نادرًا ما تصدر تلك التراخيص.
وبحسب التقرير ذاته، فإن 95% من طلبات تراخيص البناء المقدمة من فلسطينيين في المنطقة (ج) تم رفضها في السنوات الثلاث الأخيرة.
واكتفى الاتحاد الأوروبي في بيانه الصادر بتاريخ 2 يوليو/تموز 2025 بـ"الإعراب عن القلق العميق" دون فرض أي عقوبات أو خطوات عملية، ما اعتبرته منظمات حقوقية بمثابة "ضوء أخضر ناعم" لاستمرار الانتهاكات.
من جهتها، قالت وزارة الخارجية الفلسطينية في بيان رسمي في 6 يوليو/تموز "إن استمرار هذا الصمت الدولي، والاكتفاء بالتعبير عن القلق، يمنح الاحتلال غطاءً واضحًا لتوسيع مشروعه الاستيطاني، في خرق صريح لقرار مجلس الأمن رقم 2334، الذي يجرّم المستوطنات".
نموذج متطور من الأبارتهايد المقنن
وفي ظل هذا الجمود، ترتفع الأصوات الحقوقية محذّرة من تحوّل الوضع في الضفة إلى "نموذج جنوب أفريقي بنسخته الإسرائيلية".
ووصف الباحث القانوني الفرنسي فرانسوا دوبريه في تصريح لمجلة "لوموند دبلوماتيك" الضفة الغربية بأنها "نموذج متطور للأبارتهايد المقنّن، حيث يُمنح المستوطن كل الحقوق، بينما يُجرّد الفلسطيني من أرضه ومن حقه في البقاء".
وبحكم الواقع، لم تعد الضفة الغربية ساحة اشتباك موسمي أو أحداث متقطعة، بل تحولت تدريجيًا إلى بؤرة انفجار إستراتيجي في قلب الجغرافيا الفلسطينية. فبين مئات الحواجز، وعشرات الطرق الالتفافية، والاعتقالات اليومية، والاقتحامات الليلية، والهدم الممنهج، يتعرّض المجتمع الفلسطيني لحصار داخلي خانق لا يقل شراسة عن الحصار العسكري على غزة.
وتشير تقديرات مركز "القدس لدراسات الشأن الإسرائيلي والفلسطيني" في تقريره الصادر في يوليو/تموز 2025 إلى أن معدل التهجير الطوعي القسري (بسبب الظروف المعيشية والأمنية) ارتفع بنسبة 42% منذ بداية الحرب على غزة، إذ غادر آلاف الفلسطينيين من مناطق التماس نحو المدن الفلسطينية الداخلية أو إلى الأردن، وسط مؤشرات على تفريغٍ بطيءٍ للضفة.
هذا الواقع لا يعبّر فقط عن اختلال في ميزان القوى، بل عن تآكل خطِر في الثوابت السياسية التي قامت عليها عملية السلام منذ اتفاق أوسلو، وسط غياب أي أفق سياسي أو ضغط دولي جاد.
لم تعد الضفة الغربية جبهة ثانوية في ظل نكبة غزة، بل صارت الجبهة الأخطر التي تُستهدف ببطء وتُفرّغ بقسوة تحت غطاء قانوني زائف وعنف استيطاني منظم. إنها المعركة الهادئة التي تُخاض بلا كاميرات ولا صواريخ، لكنها لا تقل فتكًا بمستقبل الأرض والهوية.
فهل يُعد هذا الواقع اقترابا من الفصل الأخير كون الضفة الركن الرئيسي في القضية الفلسطينية أم أن القادم ينذر بنكبة أدهى من كل ما سبق؟
(الجزيرة)
نشكركم على القراءة، ونتطلع لمشاركتكم في مقالاتنا القادمة للحصول على أحدث الأخبار والمستجدات.
0 تعليق