هل نحتاج لتجريح جامعاتنا أم إلى مراجعة منطق السياسات؟ #عاجل - تليجراف الخليج

0 تعليق ارسل طباعة

نقدم لكم زوارنا الكرام أهم وآخر المستجدات كما وردت في المقال التالي: هل نحتاج لتجريح جامعاتنا أم إلى مراجعة منطق السياسات؟ #عاجل - تليجراف الخليج اليوم الأربعاء الموافق 9 يوليو 2025 10:33 مساءً

 

كتب ا د. هاني الضمور -

أثار تصريح معالي وزير التعليم العالي حول إنفاق الجامعات الأردنية مبالغ كبيرة على التصنيفات الدولية، مقابل تراجعها في "مؤشر النزاهة البحثية”، جدلًا واسعًا في الأوساط الأكاديمية والرأي العام. فعلى الرغم من أهمية الطرح في سياق مراجعة الأداء الجامعي، إلا أن توقيت التصريح، وصياغته، والرسائل التي أوحى بها، تستدعي وقفة مسؤولة لا لحماية صورة، بل لصيانة ثقة.

الحديث عن "الإنفاق مقابل النزاهة” بدا للوهلة الأولى كما لو أنه اتهام مباشر بسوء تقدير، أو تلميح إلى تلاعب ضمني بغرض تحسين الترتيب الأكاديمي. لكن من يعرف آلية عمل الجامعات، وتركيبة القرار الأكاديمي في الأردن، يُدرك أن هذه المؤسسات لا تتحرك في فراغ، وأن سياساتها – وبخاصة في ما يتعلق بالتصنيفات والبحث العلمي – ظلت لسنوات تُصاغ داخل مناخ مشترك مع وزارة التعليم العالي ومجلس التعليم العالي، وبتوجيه ضمني أو صريح نحو "تحسين التصنيف” كأولوية وطنية.

فإذا كانت الجامعات قد ضخت مواردها – المحدودة أصلًا – في هذا الاتجاه، فمن الطبيعي أن نتساءل عن موقع الوزارة من تلك القرارات. أين كانت أدوات الرقابة؟ وأين كانت النقاشات الاستراتيجية؟ ولماذا لم تُطرح هذه الأسئلة عندما كانت التصنيفات تُستخدم لتسويق التعليم الأردني في المحافل الدولية، وتُدرج في تقارير الأداء والتقييمات الرسمية؟

النزاهة البحثية ليست رقمًا يُقرأ من تقارير التصنيف، بل حالة ثقافية وإدارية تُبنى على المدى البعيد. وهي لا تتراجع فجأة، بل تتآكل تدريجيًا حين تصبح مخرجات البحث العلمي خاضعة لضغوط النشر، لا لحسّ السؤال الأكاديمي، وحين يُكافأ الكمّ على حساب النوع، وتُربط الترقيات بالمجلات، لا بالأثر الحقيقي للمعرفة. فهل هذا نتاج تقصير الجامعات وحدها؟ أم أنه نتيجة نموذج كامل دفعها إلى هذا الاتجاه؟

المفارقة التي لا يمكن إنكارها أن ما قاله الوزير اليوم، لم يُطرح بالأمس. والمؤشر الذي أُعلن التراجع فيه، لم يُناقش حين كان بالإمكان تصحيحه. والتقييم، بقدر ما هو ضروري، يتحول إلى أداة إرباك حين يُستخدم بعد فوات الأوان، وبدون رؤية شاملة تُعيد ترتيب الأولويات وتوزيع المسؤوليات بعدل وشفافية.

نحن لا ندافع عن خطأ، ولا نبرر تقصيرًا. لكننا نرفض أن تُحمّل الجامعات وحدها وزر مسار لم تكن صانعته الوحيدة. ونرفض أيضًا أن يُختزل الحديث عن النزاهة في لحظة إعلامية، دون التزام حقيقي بإصلاح البنية التي أنتجت هذا الخلل. فما يُنتظر من القيادة التعليمية ليس فقط أن تُفاجأ بالأرقام، بل أن تبني بيئة تمنع انحرافها منذ البداية.

الأخطر من ذلك، أن تصريحًا كهذا – إن لم يُضبط سياقه – قد يُستخدم خارجيًا لإضعاف الثقة في التعليم العالي الأردني، وتشويه صورته في أعين المؤسسات الدولية التي ترصده بدقة. وفي عصر التنافس الأكاديمي العالمي، فإن السمعة لا تُرمم بسهولة حين تُصاب بالتشكيك.

الجامعات الأردنية، رغم كل ما تواجهه من تحديات تمويل وبيروقراطية وتدخلات، ما زالت تنتج علمًا، وتخرّج كفاءات، وتحافظ على حضورها في الإقليم. وما تحتاجه اليوم ليس مجرد نقد، بل دعمٌ رشيد، وقرارات مبنية على قراءة شاملة لا لحظية.

وإذا كان لابد من سؤال، فليكن صادقًا وعميقًا:

هل تراجع المؤشر لأن الجامعات أساءت التقدير؟ أم لأن السياسات العامة دفعتها إلى طريقٍ لم يكن يقود إلى القيم التي نتحدث عنها اليوم؟

وهل الحديث عن النزاهة هو مجرد رد فعل، أم بداية لمراجعة حقيقية، تشارك فيها كل الأطراف، وعلى رأسها من يرسم السياسات ويوجّه البوصلة؟

إننا لا نحتاج إلى تجريح التعليم العالي الأردني، بل إلى عقل هادئ يعيد بنائه. ولا نحتاج إلى الإشارة إلى الخلل فحسب، بل إلى الاعتراف بالشراكة في حدوثه.

لأن القيمة لا تكون في التصنيف وحده، ولا النزاهة في الخطاب فقط، بل في القدرة على تحويل هذه الأسئلة إلى سياسة، وهذه الملاحظات إلى إصلاح.


نشكركم على القراءة، ونتطلع لمشاركتكم في مقالاتنا القادمة للحصول على أحدث الأخبار والمستجدات.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق