نقدم لكم زوارنا الكرام أهم وآخر المستجدات كما وردت في المقال التالي: الأحداث الأمنيّة و"تياسة" الإعلام العربيّ! #عاجل - تليجراف الخليج اليوم السبت الموافق 12 يوليو 2025 03:33 مساءً
كتب: كمال ميرزا
الإعلام العربيّ بمختلف أطيافه هو من حيث يشعر ولا يشعر من أقوى الأسلحة في يد العدو الصهيو - أمريكيّ حتى ما قبل انطلاق معركة "طوفان الأقصى"!
عشرات المليارات من الدولارات كان العدو سيحتاج إلى إنفاقها من أجل تنفيذ الأجندة الإعلاميّة التي تقدّمها له وسائل الإعلام العربية مجاناً، وبدون تعب، و"على البارد المستريح" كما يقول التعبير الدارج.. سواء من حيث تحطيم معنويات الناس، واستنزافهم نفسيّاً وعاطفيّاً (بذريعة توثيق جرائم العدو)، وإلقاء الفرد وسط دوامة متلاطمة تتنازعه فيها مشاعر الغضب والحنق والتعوّد واللامبالاة والتجاهل والتغافل والتهرّب ولوم الذات وعقدة الذنب والإحساس بالعجز واليأس والقنوط..
أو من حيث جعل وسائل الإعلام العربية نفسها حاملاً لسرديّة العدو وناقلاً لرسائله الموجّهة بذريعة الاحترافيّة (أو بالأحرى وهم الاحترافيّة)، ووهم "الموضوعيّة"، ومواكبة آخر المستجدّات، وذلك عبر تسقّط كلّ كلمة وهمسة وشهقة وزفرة تصدر عن العدو ورموزه ومسؤوليه، وبثّها إلى المتلقّي العربي على عواهلها لتفعل فعلها وتُحدث أثرها فيه بطريقة مباشرة وغير مباشرة، وبحيث أصبح لـ "محتوى العدو" نصيب الأسد من مجمل المحتوى الإعلاميّ الذي تبثّه وتتداوله وسائل الإعلام العربيّة..
أو من حيث "تطبيع التطبيع" عبر جعل ظهور "مسؤولي" العدو و"سياسيّيه" و"نخبه" و"أكاديميّيه" و"مثقّفيه" و"محلّليه" ليدلوا بدلوهم ويفرغوا ما في جعبتهم عبر الإعلام العربيّ ممارسة يوميّة مألوفة وعادية ومقبولة..
أو من حيث إضفاء شرعيّة ضمنيّة على سرديّة العدو وألاعيبه وأكاذيبه وتقوّلاته وتخرّصاته وتكريسها كـ "رأي" يوضع أمام آراء أخرى تحتمل الأخذ والردّ!
مثل هذه "التياسة الإعلاميّة" يمكن أن تُقترف بقصد ويمكن أن تُقترف بدون قصد، ولكن حجم الإمكانات الهائلة التي تُسخّر من أجل وسائل الإعلام العربيّة، والأسماء الرنانة القائمة عليها، تجعل من الصعب على المرء افتراض حسن النوايا وإقناع نفسه أنّ ما يحدث هو مجرد تياسة بريئة!
وبالمثل،،
هذه التياسة في إدارة المعركة الإعلاميّة توازيها تياسة مماثلة في التعامل مع حرب المصطلحات!
من المسمّيات والتعابير التي نحتها العدو، ويصرّ على استخدامها، ونقوم نحن بتداولها على نطاق واسع عبر وسائل الإعلام والفضاء التواصليّ مسمّى "حدث أمنيّ"!
حدث أمنيّ صعب في بيت حانون..
الحدث الأمنيّ مستمر في جباليا..
انتهاء الحدث الأمنيّ في خان يونس..
وهكذا!
إطلاق مسمّى "حدث أمنيّ" على عمليات ومآثر وبطولات المقاومة في قطاع غزّة فيه انتقاص وتهوين وإدانة مضمرة!
فكلمة "حدث" توحي بأنّ ما وقع هو أمر عابر، استثنائيّ، عارض، سرعان ما سيتم التعامل معه ويزول!
وهذا "الحدث" بكونه مجرد "حدث" هو وليد لحظة أو صدفة أو ضربة حظ أو حتى هفوة، وليس سيرة المواجهة وديدنها منذ اليوم الأول، وجزءاً من تكتيك عسكريّ واعٍ وإستراتيجيّة حربيّة مقصودة تنمّ عن نظام وتخطيط وحنكة ومعرفة ودراية وتدريب وتأهيل ومهارة واحتراف وضبط وربط وسيطرة وتكامل أدوار وتقاسم مهام وتراكم خبرات.
أيّ أنّ العدو من خلال استخدام وصف "حدث" يحاول الاستخفاف بالحدث نفسه، والاستخفاف بمن قاموا به!
أمّا كلمة "أمنيّ" فهي تحاول تحقيق هدف مُغرض باتجاهين.
فمن ناحية هي بديل لكلمة عسكريّ/ عملية عسكريّة، حتى لا يتم إعطاء انطباع بأنّ أبطال المقاومة هم عسكر وجنود وقوات نظاميّة تمتلك الشرعيّة والمكانة والزخم.
ومن ناحية أخرى وصف "أمنيّ" يوحي بأن ما وقع هو خرق للأمن والقانون والنظام العام والأصل في الأشياء، وأنّه "جريمة" قام بها "مجرمون" ضدّ قوات شرعيّة موجودة لاستعادة الأمن والنظام وحفظهما وإنفاذ القانون وتأديب المجرمين!
الغريب أنّ إعلام المقاومة هو أكثر طرف قد أظهر وعيّاً بأهميّة "حرب الخطاب" وخطورتها وفهماً لمفاعيلها، لذا رأيناه منذ اليوم الأول يحرص على استخدام وإرساء وتكريس لغة خاصة بالمقاومة تعبّر عن أصالتها وهويّتها (راجع تسجيلات أبو عبيدة وأبو حمزة رحمه الله)، ومعجم مصطلحات يخدم سرديّتها مثل: عُقَد قتاليّة، استحكام، مقتَلَة، إغارة.. إلخ.
كما أنّ تراثنا العربيّ الإسلاميّ يزخر بمصطلحات ومفردات مذخّرة بالمعاني والدلالات يمكن استخدامها في هذا السياق مثل: موقِعَة، سريّة، غزوة..
ومع هذا فإنّ وسائل الإعلام العربيّة تصرّ على إدارة ظهرها لأدبيّات المقاومة ومعين التراث، وذلك كمظهر للتبعيّة الثقافيّة للآخر والانبهار به والانسحاق أمامه ومحاولة تقليده ومحاكاته، وعقليّة "الافرنجي برنجي"، والنظّر لكلّ ما هو "تراثيّ" و"دينيّ" باعتباره "بلدي" ورجعيّ ومتأخّر وغير احترافي وغير مواكب لـ "روح العصر" ويخلو من الألق و"البرستيج"!
نشكركم على القراءة، ونتطلع لمشاركتكم في مقالاتنا القادمة للحصول على أحدث الأخبار والمستجدات.
0 تعليق