نقدم لكم زوارنا الكرام أهم وآخر المستجدات كما وردت في المقال التالي: انتفاضة آيت بوكماز ضد الحيف الاجتماعي! - تليجراف الخليج اليوم السبت 12 يوليو 2025 07:19 مساءً
في الوقت الذي مازال لم يتبخر بعد صدى خطاب رئيس الحكومة عزيز أخنوش بمناسبة جولاته التواصلية التي اختار لها من العناوين العريضة "مسار الإنجازات"، والذي تحدث فيه من أقاليمنا الجنوبية بكل افتخار واعتزاز عن نجاح حكومته في تحقيق إنجازات غير مسبوقة في السنوات الأربع الماضية، وما اتخذته من إجراءات فعالة وقرارات شجاعة في تحسين ظروف عيش المواطنين، مشددا على ما تتميز به من جدية ومسؤولية في تعزيز ركائز الدولة الاجتماعية، كما يريدها ملك البلاد محمد السادس أدام الله عزه ونصره.
إذا بمئات السكان من دواوير منطقة بوكماز بنواحي إقليم أزيلال، يخرجون عن بكرة أبيهم في مسيرة احتجاجية سلمية، انطلقت صباح يوم الأربعاء 9 يوليوز 2025 في اتجاه ولاية جهة بني ملال-خنيفرة سيرا على الأقدام، مرفوقين بعشرات السيارات والدراجات رافعين الأعلام الوطنية، صور الملك ولافتات لأبرز مطالبهم المشروعة، وذلك بعد أن طفح بهم الكيل ولم يعد في الصدر مقدار حبة خرذل من الصبر، جراء ما تعانيه المنطقة من تهميش وإقصاء، مطالبين بحقهم في العدالة الاجتماعية والعيش الكريم.
ولم يكن الهدف الأسمى من هذه المسيرة الحضارية التي تأخرت كثيرا عن موعدها الحقيقي سوى لفت انتباه المسؤولين ومدبري الشأن العام إلى ما تعانيه ساكنة تلك الدواوير البئيسة من إهمال وإقصاء، حيث يصر السكان على أن تتم الاستجابة لمطالبهم المشروعة، والمتمثلة أساسا في الحق في التنمية المستدامة والعيش الكريم، من خلال تحسين ظروف عيش أبناء هذه المنطقة الذين يعانون من مختلف أشكال الحيف الاجتماعي، التعجيل بتعيين طبيب رئيسي بالمركز الصحي، فك العزلة عن المنطقة عبر توسيع الطريق نحو أزيلال، تغطية الدواوير بشبكة الهاتف والأنترنت، إلغاء العمل برخص البناء في المناطق النائية، توفير فضاءات ثقافية للشباب وبناء ملعب كبير لكرة القدم. فأين نحن أمام هذا الظلم من وفاء الدولة بالتزاماتها الأممية المرتبطة بتنمية المناطق الجبلة والحد من الفوارق المجالية والاجتماعية؟
ثم كيف لرئيس الحكومة أن يتحدث عن إرساء أسس الدولة الاجتماعية في ظل ما تعيش على إيقاعه عديد القرى والمناطق النائية والجبلية من تهميش وإقصاء؟ فساكنة آيت بوكماز لم تخرج للترفيه عن نفسها في جولة سياحية، وهي تقطع مسافة حوالي مائة كيلومتر مشيا على الأقدام، وإنما اضطرتها ظروفها المزرية وأوضاعها المتردية إلى القيام بذلك، للكشف عما تتعرض له المنطقة من إهمال على مدى عشرات السنين. إنها وباختصار شديد، تعاني من إقصاء ممنهج وغير ناجم عن نقص في الموارد والإمكانيات، لاسيما أن "آيت بوكماز" من المناطق السياحية الغنية بالموارد الطبيعية والجمالية، بيد أن سوء التدبير والحسابات السياسية الضيقة، هما من ساهما بقسط وافر في حرمانها من المشاريع التنموية، وحالا دون الارتقاء بالوضع المعيشي للسكان، الذين يحدوهم الأمل الكبير في أن تكلل مسيرتهم السلمية بالنجاح، وألا يعودوا لبيوتهم بخفي حنين ودون انتزاع أبسط الحقوق وتحقيق جل المطالب، التي يمكن إجمالها في رفع المعاناة عن المنطقة وتمتيعها بالحق في التنمية.
فهل كان من الضروري أن يعبر مئات المواطنات والمواطنين عشرات الكيلومترات سيرا على أرجلهم وعبر عدد من الدراجات الهوائية والسيارات، لإبلاغ رسالتهم وإسماع صوتهم لمن يهمهم الأمر، ويؤكدون لهم أن هناك من القرى والمداشر والأرياف والمناطق الجبلية والنائية من مازالت تعيش الضياع في عزلة قاتلة لغياب التنمية وانعدام العدالة الاجتماعية والمجالية والعيش الكريم، في مغرب يستعد لاستضافة بطولة كأس العالم في كرة القدم خلال بضع سنوات؟ ومتى يمكن للمغاربة الاستفادة من ثمار التنمية وثروات بلادهم على قدم المساواة، دون أدنى تمييز بين جهات ومناطق المملكة الشريفة؟
والمثير للاستغراب في هذا السياق، هو رفض الناطق الرسمي باسم الحكومة والقيادي بحزب "الحمامة الزرقاء" مصطفى بايتاس، التفاعل الإيجابي مع أسئلة الصحافيين بخصوص "مسيرة الكرامة" التي شهدتها منطقة "آيت بوكماز" ومدى استعداد الحكومة للقيام بواجبها الوطني والدستوري في تلبية المطالب المشروعة للمحتجين، وذلك خلال الندوة الصحافية التي انعقدت يوم الخميس 10 يوليوز 2025، بتزامن مع اجتماع عامل إقليم أزيلال الذي سارع إلى استقبال ممثلي المحتجين في جو من الاحترام المتبادل، وقدم لهم وعودا بالاستجابة لمطالبهم، حيث تعهد لهم بالعمل على توفير طبيب رئيسي، الربط بشبكة الاتصالات، منح رخص بناء مجانية في المناطق الجبلية في سقف زمني لا يتعدى عشرة أيام، في حين وعد بإرجاء تنفيذ باقي المطالب الأخرى إلى وقت لاحق.
نحن هنا لا نحمل المسؤولية لحكومة أخنوش أو للمجلس الجماعي الحالي لإقليم أزيلال وحدهما، بل للحكومات والمجالس المتعاقبة، التي ساهمت جميعها فيما وصلت إليه منطقة "آيت بوكماز" وغيرها من مناطق "المغرب المنسي" من تهميش وإقصاء. وأشد ما نخشاه في ظل ارتفاع منسوب الاحتقان الاجتماعي، هو أن تعم الانتفاضات جميع أرجاء الوطن مما قد يهدد السلم الاجتماعي، وما على مدبري الشأن العام إلا استخلاص العبرة من هذه "الانتفاضة" والتعجيل بإنصاف ساكنة المناطق المتضررة، وتوفير الحد الأدنى لها من شروط العيش الكريم...
0 تعليق