في غزة.. الحلاقة مقابل الطعام - تليجراف الخليج

0 تعليق ارسل طباعة

نقدم لكم زوارنا الكرام أهم وآخر المستجدات كما وردت في المقال التالي: في غزة.. الحلاقة مقابل الطعام - تليجراف الخليج اليوم الاثنين 14 يوليو 2025 12:58 مساءً

في غرفة صغيرة حولها نعمان عماد إلى صالون متواضع داخل منزله بمدينة دير البلح وسط قطاع غزة، يدور مشهد يعيد إلى الأذهان قصص الأجداد عن زمن المقايضة.

هناك، لا يدفع الناس ثمن الحلاقة بالمال الذي فقد قيمته، بل بما يتوافر لديهم من مؤن غذائية بسيطة استطاعوا الحصول عليها من بيوتهم.

ويعيش الفلسطينيون في غزة منذ 7 تشرين الأول 2023 تحت وطأة حرب إبادة إسرائيلية مستعرة تفرض عليهم أوضاعًا إنسانية وأمنية واجتماعية بالغة القسوة.

وأدت حرب الإبادة إلى قتل وتشريد مئات الآلاف، ليجد الأهالي أنفسهم موزعين بين مراكز إيواء مكتظة تختنق بآلاف العائلات، أو في خيام بدائية لا تقي حر الصيف ولا برد الشتاء ولا خطر القصف، وسط غياب تام للأمان واستمرار سقوط عشرات القتلى يوميًا.

ولا تقتصر معاناتهم على ذلك، بل يعيشون أيضًا في ظل مجاعة قاتلة، بسبب سياسات الحصار الإسرائيلي وإغلاق المعابر ومنع دخول الغذاء والماء والدواء، مما أدى إلى نقص حاد في أبسط مقومات الحياة.

وفي ظل هذه الأوضاع الصعبة، ورغبة منه في مساعدة نفسه ومساندة الأهالي من حوله، لجأ نعمان إلى إعلان بسيط على وسائل التواصل الاجتماعي يعرض فيه العمل بمبدأ "الحلاقة مقابل الطعام".

هكذا وجد طريقة تضمن له ولزبائنه تجاوز أزمة السيولة والعملة المنهارة، فصار يقص الشعر مقابل ما يتوفر لدى الناس من مواد غذائية، مخففا عنهم بعضا من أعباء الحياة الثقيلة في غزة.

ويقول نعمان عماد "قبل الحرب الطويلة والحصار المشدد، كانت حياتنا مستقرة، كنا نعمل ونؤمّن احتياجاتنا اليومية دون قلق، وكانت مهنتي في الحلاقة توفر لي دخلاً جيداً".

وتابع: "لكن بعد مرور عامين على الحرب، تغيّر كل شيء، حيث أصبح دخلنا لا يغطي حتى أبسط مقومات الحياة".

وأضاف نعمان وقد ارتسمت على وجهه ابتسامة حزينة: "خطرت لي فكرة قديمة سمعت عنها من أجدادنا، عندما كانوا يقصّون شعرهم ويدفعون قمحا أو شعيرا بدلا من النقود، فقلت لنفسي: لماذا لا أجرب ذلك؟ وضعنا اليوم أصعب بكثير من أيامهم".

ويضيف متحدثاً عن خطوته الأولى: "نشرت إعلاناً بسيطاً على وسائل التواصل الاجتماعي أعرض فيه حلاقة الشعر مقابل ما يتوفر لدى الناس من طعام، لم أكن أتوقع هذا التفاعل الكبير، صار الزبائن يأتون محملين بما لديهم من مؤن، فيدفعون الطعام بدلاً من المال".

ويحصل الفلسطينيون في غزة على مواد غذائية من مساعدات إنسانية "مغمسة بالدم"، في ظل استهداف إسرائيل المتكرر لنقاط تجمع الجوعى والمحتاجين.

فبينما يقف آلاف المدنيين في طوابير طويلة أملاً في كيس طحين أو علبة طعام تسد رمقهم، لا تتردد قوات الاحتلال في قصفهم، فتتحول موائد الفقراء إلى ساحات موت، ويصير السعي خلف لقمة العيش مغامرة قد تنتهي بفقدان الحياة.

وتواصل إسرائيل كل ذلك متجاهلة النداءات الدولية المتكررة لفتح المعابر وإدخال المساعدات الإنسانية لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من المدنيين في القطاع المنكوب.

وفي صالون نعمان المتواضع، يجلس المواطن "أبو رائد" (لم يكشف عن اسمه بالكامل) مع طفله الممسك بكيس معكرونة، ويقول: "نعمان نزل إعلانا على السوشيال ميديا عن الحلاقة مقابل الطعام".

وأشاد أبو رائد في حديثه بهذه المبادرة، معتبرا أنها تخفف كثيرا عن الفلسطينيين في ظل انعدام الدخل وشح السيولة. وأضاف: "الفلوس (النقود) ما لها قيمة، العملة صارت مهترئة، والسيولة مفقودة".

وتابع: "جئت أنا وابني بكيس معكرونة من بقايا المساعدات، ثمنه بالسوق نحو 30 شيكلا، ما معي سيولة أحلق، فأعطيته إياه مقابل الحلاقة، لقد خفف عنا وعن ناس كُثر".

ويعاني أهالي قطاع غزة منذ سنوات، ولا سيما مع اندلاع حرب الإبادة، من شبه انعدام لمصادر الدخل في ظل توقف آلاف المؤسسات والمنشآت التجارية والصناعية عن العمل بفعل القصف والحصار.

كما فقد عشرات الآلاف وظائفهم، وتفاقمت الأزمة الاقتصادية مع إغلاق إسرائيل المعابر ومنع دخول المواد الخام وغياب المشاريع التنموية، ما جعل الغالبية الساحقة تعتمد على المساعدات الإنسانية للبقاء على قيد الحياة.

وفي زاوية الصالون، تقف دانا الصغيرة ذات الأعوام السبعة ممسكة بعلبة فول بين يديها الصغيرتين.

تتلفت دانا بخجل نحو نعمان قبل أن تهمس ببراءة "هاي لعمي نعمان علبة الفول من أجل أن يقص لي شعري".

وفي مشهد آخر داخل الصالون، أنهى نعمان بهدوء قص شعر شاب بدا عليه الحرج، قبل أن يمد يده إلى جيبه ويخرج علبة "تونة" صغيرة، يقدّمها للحلاق بامتنان.

يتناولها نعمان ويضعها برفق على رف جانبي، في لوحة صامتة تختزل كيف صارت "المعلبات" عملة حياة في غزة المحاصرة.

وخلفت الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل منذ السابع من تشرين الأول 2023 أكثر من 196 ألف شهيد وجريح، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 10 آلاف مفقود، إضافة إلى مئات آلاف النازحين، ومجاعة أودت بحياة كثيرين، بينهم أطفال، فضلاً عن دمار واسع.

وفا

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق