وداعاً "كندة"! - تليجراف الخليج

0 تعليق ارسل طباعة

نقدم لكم زوارنا الكرام أهم وآخر المستجدات كما وردت في المقال التالي: وداعاً "كندة"! - تليجراف الخليج اليوم الاثنين الموافق 14 يوليو 2025 10:15 مساءً

 

 

تعلمُ أنّ الكهولة تطرق بابكَ عندما تبدأ أخبار النعي تحمل إليك أسماء أصحابك وزملائك وأقرانك.

زميلة الدراسة "كندة حتّر" إلى رحمة الله.

هناك من يهرمون قبل غيرهم، ويستنفدون "كمية الحياة" المقدّرة لهم مبكّراً، ويحلّلون العمر الذي أُعطيَ لهم بسرعة.. أولئك الذين يَعبئون!

آخر عهدي بها أيام الدراسة في جامعة اليرموك ساندويشة وكاسة شاي عند "أبو دريد" في شارع الجامعة.

وبعدها التقيتُ بها لمرةٍ يتيمةٍ مصادفةً على هامش ورشة ما عندما بدأت لوثة ورشات التدريب والعمل تجتاح الأردن.

فيها طفوليّة يراها اللئيمون سذاجةً، ويراها الطيبون براءةً.

ثوريّتها وحماوة انفعالاتها كانت فيها فطريّة ملموسة ورعونة محبّبة، لعل هذا هو تأثير الوالد "علي حتّر"، أو ربما هو تأثير والدتها ولكنّني لا أعرف والدتها.

في أيام غربتي المقتضبة عملتُ مخرجاً صحفيّاً في جريدة متهالكة يصرّ صاحبها الشحيح على استخدام أسلوب "الماكيت" القديم.

من بين قصاصات الذكريات التي كنتُ أحتفظ بها معلّقة على الحائط أمام طاولة "القص واللصق" خاصتي مقال عن "كندة" ممهور بصورة شخصيّة لها.

المقال كتبه أحد الكتّاب المرموقين في حينه، أو لنقل أنّ هبلي وعبطي كشاب غِرّ قادم من الأرياف كان يصوّر لي أنّ هذا الكاتب مرموق.

المقال كان يتحدّث عن "كندة" الطفلة، ووالدها الذي كان يحملها على كتفه أو فوق ذراعه منذ نعومة أظفارها ويطوف بها بين المظاهرات والمسيرات والفعاليات.

كنتُ أشعر بالغيرة من هذا المقال، ولقد استدعى الأمر سنوات كثيرة وخيبات كبيرة لأنضج، وأدرك، أنّ مديح مثل هذا الكاتب ليس مكسباً بالضرورة، وهجاءه ليس مغرماً، دون أن ينتقص ذلك ذرّةً من تقديري واعتزازي بـ "كندة" وجدارتها بكلّ كلمة قيلت فيها.

ولم أتوقّع أن تمضي السنوات سريعاً، لأجد نفسي أنا الذي ما أزال غِرّاً عبيطاً قادماً من الأرياف، أكتب مقالاً أنعى فيه زميلتي "كندة" التي ما تزال صورتها في خيالي تلك الطفلة المختبئة في جسد شابة، والتي تعبّر عن رأيها بكلّ عنفوان، وتسير وسط المظاهرات بكلّ زهو واعتزاز.. بينما تتلفّح كوفيّةً تُنسب إلى فلسطين التي تحبّها.

ملاحظة: أنا لم أكن أشارك في المظاهرات والمسيرات، وكنتُ اكتفي بالمشاهدة من بعيد، حتى لا يظنّ البعض أنّني أحاول أن أدّعي لنفسي أو أنسب إليها تاريخاً نضاليّاً وحِراكيّاً غير موجود.

بالعودة إلى ساندويشة "أبو دريد" وكاسة الشاي، ما زلتُ أذكر تماماً أنّ صوت "فيروز" كان يصدح في الخلفيّة!

اللعنة، أيّ عذاب هذا عندما يقترن صوت "فيروز" لديك مرّةً أخرى بالموت؟!

إلى رحمة الله يا "كندة"، وأظنّ أنّ إنسانة مثلك يكفيها عزاءً أنّها قد أدركت "الطوفان".. على الأقل هذا عهدي بكِ قبل أن تتفرّق بجيلنا الدروب، وقبل أن يسير كثير منّا في درب "إلى حيث ألقت"، ودرب "لا مأسوفاً عليه وعليها"!

إلى رحمة الله يا "كندة"!


نشكركم على القراءة، ونتطلع لمشاركتكم في مقالاتنا القادمة للحصول على أحدث الأخبار والمستجدات.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق