غزّة: حين يصبح العالم بلا ذاكرة - تليجراف الخليج

0 تعليق ارسل طباعة

نقدم لكم زوارنا الكرام أهم وآخر المستجدات كما وردت في المقال التالي: غزّة: حين يصبح العالم بلا ذاكرة - تليجراف الخليج اليوم الأحد الموافق 20 يوليو 2025 04:03 مساءً

 

تعبت.

لا أدري ماذا أكتب.

كل الكلمات انهارت مثل أبنية غزة تحت القصف.

غزّة، غزّة، غزّة...

أناديكِ فلا يردّ سوى صدى الصمت.

كتبتُ عنكِ كثيرًا، لكنّني كلما خطّيت حرفًا، شعرت أنني أخونكِ.

كأن اللغة تضيق بكِ، أو أنكِ أوسع من الحروف.

من أين أبدأ؟

من الهاوية التي صارت سريرًا لأطفالك؟

أم من السماء التي تآمرت مع الأرض على اجتثاثك؟

ربما سأبدأ من الجنون...

ذلك الجنون الذي يجعل العالم يرى كل شيء، لكنه لا يفعل شيئًا.

وربما من الحلم...

ذلك الحلم الذي يتنفس في رئة طفلٍ يتضوّر جوعًا، ولا يزال يحلم برغيف خبز، لا يشبه قمر المساعدات المعلّب في سماء السياسة.

غزّة ليست مدينة.

إنها سؤال مُحرج، لا جواب له في كتب الأخلاق.

هي مفترق طرقٍ بين الوحشية واللامبالاة، بين الضمير والغريزة.

هي نقطة العار التي تسقط فيها كل الحضارات التي ادّعت يومًا أنها تنتمي للإنسان.

في غزّة، الخبز ليس خبزًا.

هو شارة مقاومة.

هو تحدٍ في وجه آلة القتل الباردة التي قررت أن تترك الناس يموتون ليس برصاصة، بل بنقص الكالسيوم في العظام، والملح في الدموع.

في غزّة، الماء ليس ماءً.

هو ذاكرة.

كل قطرة تشربها أم، تتذكر فيها طفلًا مات عطشًا، لأن صهريجًا علق عند نقطة تفتيشٍ ما، حيث الموت ينتظر الإذن بالعبور.

غزّة لا تجوع فقط.

بل تُجَوَّع عمدًا.

بطريقة مخططة، دقيقة، علمية، تُرضي معايير القتل من الدرجة الثانية.

لا يشترط فيها لون الدم، يكفي أن تتعفن الأمعاء، وتتيبّس الأحلام.

ما يحدث في غزّة ليس حربًا.

إنه اختبار تجريبي لفشل اخلاقي.

هو نزع القيم من جلد الإنسانية، سلخها، وتعليقها في المتاحف كمجرد نُسخ من ماضٍ لم يوجد يومًا.

يتحدثون عن "تعقيد" القضية.

لكن الطفل الميت لا يفهم التعقيد.

والأم التي تأكل نصف رغيف لتُبقي طفلها حيًا، لا تحتاج تحليلًا سياسيًا.

هي تحتاج فقط إلى ضميرٍ يفيق.

ضمير يُعَرّف الجريمة قبل أن يُعَرّف المجرم.

غزّة ليست مجرد جرح.

هي مرآة، وكل من ينظر فيها يرى وجهه الحقيقي.

إما إنسان، أو ظلٌ لإنسان.

وها أنا أكتب...

لا لأُخبركِ بشيء جديد، بل لأعترف أنني عاجز أمامكِ.

أنكِ لستِ موضوعًا صحفيًا ولا تقريرًا أمميًا،

بل كيانٌ يهزّ اليقين، ويزرع في القلب سؤالًا لا يُجاب:

كيف يمكن للعالم أن يعيش بينما أنتِ تُذبحين؟

 

.


نشكركم على القراءة، ونتطلع لمشاركتكم في مقالاتنا القادمة للحصول على أحدث الأخبار والمستجدات.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق