لماذا تخلّت واشنطن عن «الخط الأحمر» بشأن المقاتلين الأجانب في سوريا؟ - تليجراف الخليج

نقدم لكم زوارنا الكرام أهم وآخر المستجدات كما وردت في المقال التالي: لماذا تخلّت واشنطن عن «الخط الأحمر» بشأن المقاتلين الأجانب في سوريا؟ - تليجراف الخليج اليوم الخميس 5 يونيو 2025 11:55 مساءً

خالف القرار الأمريكي بالموافقة على دمج المقاتلين الأجانب في الجيش السوري التوقعات السائدة بين المراقبين والدبلوماسيين، الذين اعتبروا هذه المسألة أحد أعقد الملفات في العلاقة المتوترة بين واشنطن ودمشق، فطوال الأسابيع الماضية كانت التسريبات القادمة من كواليس المحادثات الدبلوماسية تشير إلى أن ملف هؤلاء المقاتلين، ومعظمهم من الإيغور القادمين من الصين ودول آسيا الوسطى، يمثل «خطًا أحمر» أمريكياً، يصعب تجاوزه، بل إن مصادر عدة أكدت أن هذا الموضوع كان من أبرز النقاط الخلافية، التي طرحت خلال اللقاء، الذي جمع مسؤولين أمريكيين بوزير الخارجية السوري، أسعد الشيباني، في العاصمة الفرنسية باريس الشهر الماضي.

لكن الموقف الأمريكي الجديد، الذي تمخض عنه اتفاق ضمني مع دمشق يفتح الباب أمام انضمام نحو 3500 مقاتل أجنبي إلى الجيش السوري، وتحديداً ضمن الفرقة 84 التي أُنشئت مؤخراً لتكون وحدة هجينة تضم عناصر سوريين وأجانب على حد سواء.

وبحسب الصيغة التي جرى التوافق عليها، فإن هذه الفرقة ستخضع لرقابة مزدوجة من قبل أجهزة الأمن السورية، وهيئة رقابية مستقلة، يفترض أن تشكل بدعم أممي لاحقاً، ما يعكس محاولة لموازنة ضرورات الأمن مع مقتضيات الشرعية الدولية.

تحول في الأولويات

هذا التحول لا يمكن عزله عن السياق الأوسع للتبدلات الأمريكية في الشرق الأوسط، والتي بلغت ذروتها خلال جولة الرئيس دونالد ترامب الأخيرة في المنطقة، إذ حملت الجولة مؤشرات قوية على تحول في أولويات واشنطن، تمثلت في قرار رفع العقوبات المفروضة على سوريا منذ عهد بشار الأسد، إلى جانب لقاء علني جمع ترامب بالرئيس السوري أحمد الشرع في الرياض، وتعيين توم باراك مبعوثاً خاصاً إلى سوريا، وهي خطوة أعادت تشكيل القناة السياسية بين البلدين بطريقة غير مسبوقة منذ أكثر من عقد.

بالنسبة لدمشق، فإن خيار دمج هؤلاء المقاتلين في الجيش لا يعكس فقط رغبة في احتوائهم، بل هو في الأساس مقاربة عملية لمنع تحولهم إلى عناصر خارجة عن السيطرة، فالتقديرات الاستخبارية السورية تشير إلى أن أي محاولة لطردهم أو تسليمهم إلى بلدانهم، خاصة في ظل رفض تلك الدول استعادتهم، قد تدفع بهم للالتحاق مجدداً بتنظيم داعش الإرهابي أو غيره من الجماعات المتشددة، التي تنشط على أطراف البادية ومناطق التماس.

من هنا تجمع الرؤية السورية أن الحل الأمثل هو «إعادة تدوير» هذه الفئة في مؤسسة رسمية، تتيح مراقبتهم وتوظيفهم في خدمة مشروع الدولة، بدلاً من تركهم لقوى الفوضى، لكن الدبلوماسية السورية تراقب بحذر ما إذا كان هذا التطور في الموقف الأمريكي يعكس تبدلاً جوهرياً في المبادئ.

مع ذلك فإن ما حدث هو إدراك متنامٍ لدى الجانب الأمريكي بأن خيارات العزل والتصفية، التي روجت لها واشنطن طويلاً كونه حلاً جذرياً، لم تعد قابلة للتطبيق، سواء من الناحية السياسية أو اللوجستية.

لقد أنتج النزاع السوري، خلال أكثر من عقد، تشابكات معقدة بين الجماعات المقاتلة والمجتمعات المحلية، وأعاد تشكيل جغرافيا النفوذ بطريقة تجعل من أي حلول هندسية فوقية مجرد مشاريع افتراضية، لا تجد موطئاً لها على الأرض.

تكتيك سياسي

بناء عليه، فإن مشهد تغير مقاربة المجتمع الدولي لا يقتصر على تكتيك سياسي آنيّ، بل يرقى إلى مستوى إعادة تعريف لمستقبل سوريا، حيث بات الرهان منصب على إدارة الواقع كما هو والانطلاق منه، بتعقيداته وتناقضاته، حتى وإن تطلب ذلك دمج عناصر كانت تعتبر حتى وقت قريب جزءاً من الأزمة الأمنية ذاتها.