متى نكفّ عن تقديس "البراني"؟.. المغرب لا يتسول احترام وتقدير الأجنبي! - تليجراف الخليج

نقدم لكم زوارنا الكرام أهم وآخر المستجدات كما وردت في المقال التالي: متى نكفّ عن تقديس "البراني"؟.. المغرب لا يتسول احترام وتقدير الأجنبي! - تليجراف الخليج اليوم الجمعة 4 يوليو 2025 03:26 صباحاً

تزامنا مع الأحداث والفضائح العديدة التي اهتز على وقعها مهرجان "موازين"، ساد نقاش ساخن بين المتابعين المغاربة عبر منصات التواصل الاجتماعي، بسبب السلوكيات المستفزة والمتعالية التي صدرت عن عدد من الفنانين العرب والأجانب المشاركين في نسخة هذه السنة، والذين لم يتردد بعضهم في إظهار تصرفات وصفت بـ"الوقحة"، وسط حفاوة وترحيب مغربي لا يُضاهى.

 الغضب الشعبي لم يكن هذه المرة موجها فقط ضد النجوم الذين استصغروا البلد الذي دعاهم، بل امتد ليطال من يقف وراء التنظيم، ومن يستميت في تلميع صورة فنانين لا يبادلون المغاربة نفس القدر من التقدير والاحترام، فقط لأنهم "أجانب".

صحيح أن المغاربة شعب مضياف، ودائما ما يُشهرون كرمهم وقلوبهم قبل موائدهم في وجه كل زائر، لكن ما يحدث في بعض المناسبات (مهرجان موازين نموذجا) يفضح بشكل صارخ تحوّل هذا الكرم إلى خنوع ثقافي ونفسي أمام الأجنبي، الذي ما إن تطأ قدمه أرض المغرب حتى يُفرش له البساط الأحمر، وتُفتح له الخزائن والقلوب، ويُعامل كما لو أنه "نبيّ عصره". 

لكن في مقابل هذه الحفاوة الزائدة عن الحد، نادرا ما يُقابل الفنان المغربي بنفس القدر من الاحترام حين يحل ضيفا على تظاهرات عربية أو غربية. بل أكثر من ذلك، كم من فنان مغربي تم تجاهله أو التقليل من شأنه، أو وُضع في مراتب خلفية لا تليق لا باسمه ولا بتاريخه الفني؟

سؤال مؤلم يطرحه الكثيرون بصراحة جارحة: هل نستحق فعلا هذا الاستصغار؟ وهل أصبحنا، بفعل المبالغة في تقدير "البراني"، نرسل إشارات خاطئة تفيد أننا مجرد سوق استهلاكية تبحث عن رضى الآخرين؟ البعض يرى أن ما يحدث هو نتيجة طبيعية لفرط التنازلات التي نقدمها، ولتقديمنا صورة "الزبون الدائم" الذي يشتري كل ما يعرض عليه، حتى ولو كان الغرور والازدراء ملفوفا في ألحان أو عروض فنية.

ينسى كثيرون، ممن يتهافتون على تقديم الامتيازات للفنانين القادمين من الشرق أو الغرب، أن المغرب ليس بلدا يبحث عن هوية، ولا شعبا ينتظر شهادة من الآخر ليشعر بقيمته. المغرب بتاريخ الأدارسة والمرابطين والموحدين، المغرب بتنوعه الثقافي الأمازيغي والعربي والإفريقي والصحراوي، المغرب بموسيقاه الأندلسية، وبأهازيجه الجبلية، وبفنونه التراثية من كناوة إلى أحواش و أحيدوس.. هو بلد الحضارات المتراكمة، لا يحتاج لـ"نجوم المناسبات" كي يُشهر مجده.

ولتصحيح هذا الخلل، لا بد من إعادة النظر في سياسة الدعوات والتكريمات، بحيث يكون الفنان الأجنبي مرحبًا به كـ"ضيف" لا كـ"إلاه"، ويُعامل باحترام دون أن يُرفع فوق المقام. كما يجب الاستثمار في النجم المغربي الذي يستحق أن تفتح له المنصات والساحات، وأن يحظى بالإنتاج والدعم الذي يُصرف اليوم على أسماء "تأكل الغلة وتسب الملة". وينبغي أيضا فرض ميثاق شرف على كل فنان يُدعى للمشاركة، يضمن احترام الجمهور والبلد والمنظمين، ومن يخرقه يُمنع مستقبلا من أي تظاهرة. وبالتوازي مع ذلك، علينا تأطير الإعلام والجمهور حتى يتوقف الترويج المرضي لصورة "النجم الأجنبي"، وغرس قناعة مفادها أن القيمة لا تُستورد، بل تُصنع محليا.

لسنا بحاجة لمن يرفع من شأننا.. نحن فقط بحاجة لمن يتوقف عن إذلالنا باسم الفن والانفتاح. المغرب هو من يعطي القيمة للمهرجانات، وليس الأسماء التي تأتي لأداء بضع أغانٍ وترحل. وحين نقتنع نحن بذلك أولاً، سيفهم الآخر حجمه الحقيقي، وسيتحدث معنا باحترام يليق بنا.