نقدم لكم زوارنا الكرام أهم وآخر المستجدات كما وردت في المقال التالي: هل نحن أمام "مسيرة ولد زروال" الثانية؟ - تليجراف الخليج اليوم الاثنين 12 مايو 2025 03:29 مساءً
من منا لم يسمع عما يعرف إعلاميا بمسيرة "ولد زروال" والتي كانت بتاريخ 18 شتنبر 2016 بمدينة الدار البيضاء، مسيرة "غامضة" رفعت شعارات مناوئة لحزب العدالة والتنمية الذي كان يترأس الحكومة آنذاك في شخص عبد الاله بنكيران، أياما قليلة قبيل الانتخابات التشريعية الثانية في ظل دستور 2011. لم تعرف الجهة المنظمة، ولم تصدر أي رخصة رسمية، لكن التغطية الإعلامية المكثفة، ونبرة الشعارات، وخطاب التخوين الذي طبعها تجاه حزب العدالة والتنمية، جعل منها لحظة فارقة في علاقة الدولة بما تبقى من السياسة.
وقد سميت تلك المسيرة بـ «مسيرة ولد زروال «، نسبة إلى شخص ورد اسمه على لسان إحدى السيدات التي صرحت لأحد المواقع الإلكترونية بأنها تشارك في هذه المسيرة بدعوة منه وقالت بأنه برلماني.
اليوم، بعد مرور نحو عقد من الزمن، يمكن الحديث عن مسيرة ولد زروال الثانية ليس عبر التظاهر في الشارع ولكن بأدوات أخرى.
ان انعقاد المؤتمر الوطني التاسع للعدالة والتنمية يومي 26 و27 أبريل 2025 ربما سيشكل منعطفا محوريا في مسار الحزب بعد سقطة انتخابات 2021، التي مثلت أسوأ هزيمة انتخابية في تاريخ الحزب تسببت في مجموعة من الاستقالات وسط قيادات كبيرة في الحزب أمثال الرباح و الرميد و غيرهم. ورغم أن الحزب قضى أكثر من ثلاث سنوات فيما يشبه العزلة السياسية والارتباك التنظيمي، فإن مخرجات المؤتمر أظهرت قدرة نسبية على استعادة التوازن الداخلي، وإعادة التموقع في المشهد السياسي، لا كقوة حكم، بل كمعارضة محتملة بمرجعية مؤطرة ومؤسسات قوية.
غير أن هذه العودة لم تمر دون ضريبة، فبمجرد إسدال الستار على أشغال المؤتمر، انطلقت حملة تسعى إلى التشكيك في الحزب بل وتخوينه، وتحجيم مخرجات مؤتمره، والحديث عن ارتباطات الحزب الخارجية بجماعة الاخوان المسلمين بالمشرق وحركة حماس وادعاء استقبال ضيوف يعادون الوحدة الترابية للمغرب من أمثال الموريتاني محمد ولد لحسن الددو، بالإضافة الى امتناع وزارة الداخلية عن صرف الدعم العمومي المخصص للمؤتمر.
هنا بالضبط، تلوح ظلال 2016 من جديد، والتي فشلت انداك في هزم العدالة و التنمية بل كان لها مفعول عكسي على نتائج الانتخابات التشريعية، فهل تساهم هذه الحملة في إعادة الحزب الى المشهد السياسي الوطني.
ان الخصوم السياسيين للعدالة والتنمية ربما يقدمون قبلة الحياة للحزب من خلال ما يقومون به تجاهه وسيعملون على إضفاء المصداقية على خطاب المظلومية الذي ينهجه في مرات كثيرة.
ان روح مسيرة ولد زروال حاضرة في تفاصيل مشهد حزبي يعاني من فراغ البدائل، ومن تصحر المنافسة الجادة. والحقيقة أن الخوف من السياسة لا ينتج استقرارا، بل يراكم الاحتقان، ويؤجل الانفجار.
يوجد في كل ديمقراطية حقيقية، قدر من الجرأة على التعدد والاختلاف، وعلى تحمل كلفة التنافس السياسي مهما كان محرجا لصناع القرار. لكن في المغرب، ما يزال روح مسيرة ولد زروال يطل من بين ثنايا الحقل السياسي كـ "أداة رمزية" يعاد تشغيلها كلما حاول حزب أن يتجاوز ما يراد له من أدوار وظيفية.
وهنا نتفهم قلق الدولة من التيارات ذات المرجعية الإسلامية في سياقات إقليمية متوترة، ولكن الإصرار على محاصرة حزب احترم قواعد اللعبة السياسية، وحتى من يختلف مع العدالة والتنمية أيديولوجيا يقر بأن هذا الأخير يستعمل بعض الاليات الديمقراطية للتداول داخل أجهزته بخلاف أغلب الأحزاب السياسية الأخرى التي تصوت فقط بالتصفيق والاجماع والمرشح الوحيد، هذا الحصار يكشف عن أزمة أعمق، أزمة ثقة بين الدولة والفاعلين السياسيين خاصة بعد اغلاق قوس الربيع العربي.
ولقد أثبتت التجربة أن الضبط والتوجيه الخفي للأحزاب السياسية لا يصنع استقرارا طويل الأمد، بل ينتج هشاشة مؤسساتية، ويفرغ السياسة من محتواها، ويجعل الأحزاب مجرد صدى لإرادة فوقية لا تؤمن فعلا بفكرة التداول ولا بالاختيار الحر.
وإذا لم تفتح آفاق جديدة لثقة متبادلة بين الدولة والقوى المجتمعية، فسنظل ندور في الحلقة المفرغة ذاتها، أي محاولات صعود قوى سياسية تقابلها محاولات إسقاطها، ومعارك عبثية تؤجل التعاقد الديمقراطي الحقيقي الذي لا بديل عنه.
في النهاية، لا بد من الاعتراف بأن المغرب يحتاج مسارا سياسيا جديدا، يؤمن بأن الاختلاف ليس خطرا، وأن الأحزاب لا تقصى لأنها قوية، وأنها ليست مجرد أدوات بيد السلطة بقدر ماهي تعبير واقعي عن طبقات المجتمع وبالتالي يجب أن تعمل في حرية تامة مادامت تحترم مؤسسات الدولة والنظام وقوانين اللعبة السياسية المتعارف عليها.
0 تعليق