رجل الأمن داخل المؤسسات التعليمية - تليجراف الخليج

0 تعليق ارسل طباعة

نقدم لكم زوارنا الكرام أهم وآخر المستجدات كما وردت في المقال التالي: رجل الأمن داخل المؤسسات التعليمية - تليجراف الخليج اليوم الاثنين 12 مايو 2025 06:31 مساءً

أضحى العنف داخل المؤسسات التعليمية، وبشكل خاص العنف الموجّه نحو الأطر الإدارية والتربوية، ظاهرة متنامية تثير قلق الفاعلين التربويين والاجتماعيين، وتشكل تهديدًا حقيقيًا لجوهر العملية التعليمية. فقد تحولت المدرسة، التي من المفترض أن تكون فضاءً آمنا للتربية والتنشئة الاجتماعية، إلى ساحة تشهد أشكالًا من العنف الجسدي واللفظي تمس كرامة المدرس وتُقوض دوره التربوي. وتُعدّ حادثة الاعتداء المأساوية التي تعرضت لها أستاذة بمدينة أرفود، والتي انتهت بوفاتها، واحدة من أبشع صور هذا العنف، والتي أعادت إلى الواجهة سؤال الأمن بالمؤسسات التعليمية وأثارت تساؤلات مشروعة حول مدى نجاعة السياسات التربوية المعتمدة في هذا المجال.

وتشير المعطيات الرسمية الصادرة عن وزارة التربية الوطنية إلى تسجيل أكثر من 600 حالة اعتداء على الأطر التربوية خلال سنة 2023، معظمها وقع داخل المؤسسات الثانوية. غير أن هذا الرقم لا يعكس الصورة الكاملة، فالعدد الحقيقي لحالات العنف، سواء الرمزي أو الجسدي، يُرجّح أن يكون أكبر بالنظر إلى الحالات التي لم يتم التبليغ عنها بسبب الخوف من ملاحقة الجاني أو تجنب تبعات التصعيد، وهو ما يعكس عمق الأزمة واتساع رقعة هذه الظاهرة المقلقة.

ويُعدّ استمرار هذا النزيف التربوي في ظل محدودية القوانين الزجرية المدرسية وضعف فعالية الإجراءات التأديبية تحديًا كبيرًا، يفرض تجاوز منطق التدخل الظرفي والعلاج المؤقت، والانتقال نحو تبني مقاربة وقائية شاملة وتشاركية، تجعل من المدرسة فضاءً آمناً للتربية والتنشئة، ومجالًا للوقاية من مختلف أشكال الانحراف والعنف.

وتُعدّ المؤسسة الأمنية شريكًا أساسيًا لا غنى عنه في المنظومة التربوية، حيث تضطلع بدور تكميلي فعّال إلى جانب الإدارة التربوية، والأسر، والمجتمع المدني في ترسيخ مناخ مدرسي آمن، يمكّن من تحقيق الأهداف المنشودة في مجال التربية والتعليم. ومن هذا المنطلق، تكتسي الشراكة بين وزارة التربية الوطنية ومؤسسة الأمن الوطني أهمية متزايدة، تستوجب إرساء دينامية جديدة في هذه العلاقة، لضمان حماية فعالة للمؤسسات التعليمية، لاسيما في المناطق الهامشية.

وفي هذا الإطار، واستلهامًا من التجارب الدولية الرائدة في هذا المجال، ككندا والبرازيل وفرنسا "نموذج مدينة نيس"، فإن من شأن إدماج عناصر أمنية داخل المؤسسات التعليمية، خاصة في المناطق الهامشية، أن يُعزز من الحماية القانونية لهذه الفضاءات. ويُقترح، في هذا السياق، إحداث آلية قانونية تُتيح تواجد عنصر من الأمن الوطني داخل المؤسسة، تحت إشراف الدائرة الأمنية الترابية وبالتنسيق مع إدارة المؤسسة، يتولى تنفيذ مهام وقائية وتحسيسية، تشمل المراقبة، التوجيه، المواكبة النفسية، وتقديم المخالفين عند الاقتضاء إلى الجهات القضائية المختصة.

كما يتعين أن يُسند لهذا العنصر إجراء تشخيص أمني دوري للمؤسسة، وجمع وتحليل المعطيات ذات الصلة، قصد تحديد الثغرات ووضع خطط أمنية تشاركية، بتنسيق مع مكونات المجتمع المدرسي، بما في ذلك جمعيات الآباء، والمجالس التربوية، والدائرة الأمنية المجاورة.

كما يتكفل عنصر الأمن بإجراء تشخيص أمني للمؤسسة، لاسيما تلك التي توجد في بيئات أكثر عرضة للعنف والتدخلات الخطيرة، مما يتيح له تجميع المعطيات الأمنية وتحليلها، ورصد مكامن الخلل، وبالتالي تعديل التدابير الأمنية المتخذة على المستوى المحلي، بتشاور وتنسيق بين إدارة المؤسسة، وجمعية أمهات وآباء وأولياء التلاميذ، والسلطة المحلية.

ولا يقتصر دور رجل الأمن على تدبير المجال الأمني داخل المؤسسة فحسب، بل يمكن أن يمتد ليشمل محيطها، عبر مراقبة البيئة المدرسية، والسيطرة على القطاع الذي تقع فيه، بالاستناد إلى المعطيات الميدانية المرتبطة بمكونات المجتمع المدرسي وبتنسيق مع أعضاء الشرطة المدرسية. هذه الأخيرة تضطلع بدور التدخل الفوري عند وقوع الحوادث الخطيرة داخل المؤسسات وبمحيطها، وتوفير الحماية والمراقبة، فضلاً عن دعم العنصر الأمني المكلف بالمؤسسة، في إطار تكاملي يضمن فعالية التدخلات ويعزز الثقة في الفضاء التربوي. كما تهتم الشرطة المدرسية كذلك بتنظيم حملات تطهيرية بمحيط المؤسسات التعليمية، تستهدف توقيف مرتكبي جرائم العنف والابتزاز أو المتورطين في قضايا المخدرات، بما يسهم في إعادة الهدوء والاستقرار إلى الوسط المدرسي.

لقد أضحى من الضروري اليوم تجاوز النظرة التقليدية للعلاقة بين المدرسة والمؤسسة الأمنية، والانفتاح على تصور جديد يجعل من حضور رجل الأمن داخل الفضاء التربوي عنصرًا فاعلًا في تحقيق التنشئة الاجتماعية السليمة. ويأتي هذا التحول في ظل ما تعرفه المؤسسات التعليمية من تعقّد في الظواهر السلوكية، وارتفاع متواصل في أعداد التلاميذ، إلى جانب النقص الكبير في الأطر التربوية والإدارية، ومحدودية تجربة بعض المدرسين الجدد، فضلاً عن الأعباء المتزايدة التي تثقل كاهل الإدارة المدرسية، خاصة في تدبيرها اليومي لظواهر العنف والانحراف.

وانطلاقًا من هذه المعطيات، فإن التواجد المنتظم لرجل الأمن داخل المؤسسات التعليمية ينبغي أن يُفهم كحضور رمزي ووقائي يعزز من هيبة القانون، ويضمن احترام كرامة الأطر التربوية وسلامة التلاميذ. فدوره لا يقتصر على المراقبة، بل يتجاوزها ليصبح شريكًا فعليًا في تنفيذ المشروع التربوي، من خلال انخراطه الإيجابي في الحياة المدرسية، وعبر تنظيم لقاءات وندوات توعوية تُبرز مخاطر الانحراف، وتوضح طبيعة الجرائم والعقوبات المترتبة عنها، مما يُسهم في تنمية الوعي القانوني والمسؤولية الاجتماعية لدى التلاميذ.

كما تشمل مهامه المشاركة النشطة في الحملات التحسيسية المنتظمة، والمنظمة بتنسيق مع الأطر التربوية، والتي تهدف إلى الرصد المبكر للسلوكات المنحرفة والوقاية من تفشيها، بالإضافة إلى التفاعل المستمر مع مختلف مكونات المجتمع المدرسي، من تلاميذ وأطر وأولياء أمور، ومعالجة الشكاوى المرتبطة بالتعنيف بأشكاله المختلفة.

وفي سياق مساهماته التربوية، يمكن لرجل الأمن المقيم بالثانوية، أن يضطلع بتأطير نوادي الأمن المدرسي، وتكوين تلاميذ متطوعين يعملون على نشر ثقافة احترام القانون ونبذ العنف داخل الوسط المدرسي. كما أن تعاونه مع جمعيات أمهات وآباء وأولياء التلاميذ يشكل عنصرًا حاسمًا في تتبع الظروف الاجتماعية والنفسية للتلاميذ، بما يُمكن من رصد حالات الهشاشة والانحراف في وقت مبكر.

ومن الجوانب الحيوية في هذا الدور أيضًا، مواكبة التلاميذ الذين تظهر عليهم مؤشرات السلوك الإجرامي، وذلك بالتنسيق مع خلايا الإنصات والدعم النفسي داخل المؤسسات، فضلًا عن الإشراف على برامج خاصة بمصاحبة التلاميذ ذوي السوابق القضائية أو خريجي المؤسسات السجنية، بهدف إعادة إدماجهم في المنظومة التربوية.

إن حضور المؤسسة الأمنية داخل الفضاء التربوي ليس دعوة إلى انتهاك الحرم المدرسي، بل تأكيد على أهمية تظافر الجهود المجتمعية لضمان أمن التلميذ والمربي على حد سواء. فالتربية والأمن ليسا مجالين منفصلين، بل يكمل أحدهما الآخر؛ إذ لا تربية ممكنة في جو يسوده التهديد والخوف، ولا أمن حقيقي دون وعي تربوي يُحصّن الناشئة من السقوط في مهاوي العنف والانحراف.

 

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق