نقدم لكم زوارنا الكرام أهم وآخر المستجدات كما وردت في المقال التالي: إيهود أولمرت: نخوض حربا عديمة الجدوى.. ونرتكب جرائم حرب - تليجراف الخليج اليوم الاثنين الموافق 26 مايو 2025 12:40 صباحاً
تخوض حكومة إسرائيل في هذه الأيام حرباً عديمة الجدوى، بلا هدف، أو تخطيط واضح، ومن دون أيّ احتمال للنجاح. فمنذ تأسيسها، لم تبادر إسرائيل قط إلى شن حرب من هذا النوع، وبهذا، سجّلت زمرة المجرمين التي يتزعمها بنيامين نتنياهو سابقة لا مثيل لها في تاريخ "الدولة".
والنتيجة الواضحة لعملية "عربات جدعون" هي، أولاً وقبل كل شيء، فوضى عارمة في أداء وحدات الجيش المنتشرة في أنحاء القطاع. ويصدق هذا الوصف بشكل خاص في الأحياء التي سبق لجنودنا أن قاتلوا فيها، وأصيبوا وسقطوا، وقتلوا أيضاً عدداً كبيراً من المنتمين لحركة "حماس"، وقتلوا أيضاً عدداً كبيراً جداً من المدنيين غير المتورطين. هؤلاء الأخيرون انضموا إلى الإحصائيات المضاعفة للضحايا الأبرياء من السكان الفلسطينيين، والتي تتخذ أبعاداً وحشية.
ما يجري في قطاع غزة خلال الأسابيع الأخيرة لا علاقة له بأيّ هدف مشروع من أهداف الحرب، إذ تُرسل قيادة الدولة قيادة الجيش، التي يطيعها مقاتلونا، للتخبط في أحياء مدينة غزة وجباليا وخان يونس، في تحرُّك عسكري غير مشروع. إنها الآن حرب سياسية - شخصية، ونتيجتها المباشرة هي تحويل قطاع غزة إلى منطقة كارثة إنسانية.
خلال العام الماضي، وُجهت في أنحاء العالم اتهامات خطِرة إلى سلوك الجيش الإسرائيلي والحكومة في غزة، شملت اتهامات بالإبادة الجماعية وارتكاب جرائم حرب. عارضتُ بشدة هذه الاتهامات في النقاشات الإعلامية داخل البلد، وعلى الساحة الدولية، على الرغم من أنني لم أتردد في توجيه انتقادات إلى الحكومة. الإعلام الدولي يسمع كل الأصوات في النقاش العام داخل إسرائيل، ويعرف كيف يميز بين مَن يروّج لمصلحة نتنياهو وحاشيته، وبين معارضيه الذين يرونه زعيم عصابة إجرامية، مثلما بات مألوفاً في وسائل الإعلام اليوم.
لم أتردد في إجراء مقابلات في أيرلندا، وإيطاليا، وهولندا، وبريطانيا، وأماكن أُخرى على الساحة العالمية. وقد خيّبت أحياناً آمال مَن دعوني إلى المقابلات، عندما أكدتُ بحزم أن إسرائيل لا ترتكب جرائم حرب في غزة. نعم، كان هناك قتل مفرط، وعدد لا يُصدّق من الضحايا المدنيين غير المتورطين، بينهم أطفال ونساء وشيوخ، لكنني أكدتُ، وبقناعة داخلية، أنه لم تُعطَ، في أيّ حال من الأحوال، تعليمات من صانعي القرار السياسيين لضرب المدنيين في غزة بشكل عشوائي.
كان عدد المدنيين غير المتورطين الذين قُتلوا في غزة غير معقول، وغير مبرَّر، وغير مقبول، لكنني قلتُ في كل وسيلة إعلامية حول العالم إنهم جميعاً كانوا نتيجة حرب وحشية.
كان يجب أن تنتهي هذه الحرب في أوائل سنة 2024، لكنها لا تزال مستمرة من دون مبرر، ومن دون هدف واضح، ومن دون أيّ رؤية سياسية لمستقبل قطاع غزة، أو الشرق الأوسط بأسره. حتى لو كان الجيش، الذي يملك الصلاحية والواجب لتنفيذ أوامر المستوى السياسي، قد تصرّف بتهوُّر في كثير من الأحيان، وافتقر إلى الحذر، وتصرّف بعدوانية مفرطة، لقد فعل ذلك من دون أوامر، أو تعليمات، أو توجيه من أيّ مستوى قيادي رفيع لاستهداف المدنيين بشكل عشوائي. ولذلك، ووفقاً لفهمي آنذاك، لم تُرتكب جرائم حرب.
الإبادة الجماعية وجرائم الحرب تعريفات قانونية تتعلق، إلى حد كبير، بالوعي والمسؤولية الملقاة على مَن في يده السلطة لتحديد أهداف الحرب وسلوكها وغاياتها، وكذلك، حدود القتال وقيود استخدام القوة. حاولتُ في كل فرصة أُتيحت لي أن أُميّز بين الجرائم المنسوبة إلينا، والتي رفضتُ الاعتراف بها، وبين الإهمال واللامبالاة تجاه ضحايا غزة من الفلسطينيين والثمن الإنساني الفادح الذي نفرضه هناك. لقد أنكرتُ الاتهام الأول، واعترفتُ بالثاني.
في الأسابيع الأخيرة، لم أعد قادراً على الاستمرار في ذلك. ما نقوم به في غزة هو حرب إبادة: قتل مدنيين من دون تمييز، وبلا قيود، وبوحشية وإجرام. نحن لا نفعل ذلك نتيجة فقدان عرَضي للسيطرة في جبهة معيّنة، ولا بسبب انفلات غير متناسب من عناصر في وحدة عسكرية ما، بل كنتيجة مباشرة لسياسة تمليها الحكومة عن وعي، وعن قصد، وشرّ، وبسوء نية، وباستهتار. نعم، نحن نرتكب جرائم حرب.
أولاً، تجويع غزة. في هذه المسألة، بات موقف جهات رفيعة في الحكومة واضحاً وصريحاً: نعم، نحن نمنع عن سكان غزة الغذاء والدواء ووسائل الحياة الأساسية، كجزء من سياسة معلنة. يحاول نتنياهو، بطريقته المعهودة، التعتيم على طبيعة التعليمات التي يُصدرها، في محاولة للتملص من مسؤوليته القانونية والجنائية، مستقبلاً، لكن بعض أعوانه يصرّح بذلك علناً، وبكل فخر: نعم، نحن نجوّع غزة، لأن كل سكان غزة هم من "حماس"، ولذلك، لا يوجد أيّ قيد أخلاقي، أو عملي، يمنعنا من إبادة الجميع، أكثر من مليونَي إنسان.
أمّا وسائل الإعلام الإسرائيلية، ولكلٍّ منها أسبابه (وبعضها مفهوم)، فهي تحاول تهدئة الصورة المعروضة للوضع في غزة، لكن الصورة التي يراها العالم أوسع كثيراً، وقبل كل شيء، مروّعة. لا يمكن البقاء لا مبالين وغير مكترثين إزاءها، أيضاً لم يعد في الإمكان تجاهُلها، أو الاكتفاء بهزّ الرأس والقول إن ردة فعل العالم ما هي إلّا موجة عارمة من معاداة السامية، لأن "الجميع يكرهوننا، والجميع معادون للسامية."
إذاً، الأمر ليس كذلك. فالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ليس معادياً للسامية. أنا أعرفه جيداً، وتحدثتُ معه خلال الأشهر الماضية. في لحظات الاختبار، وقف جيش فرنسا في الصفوف الأمامية، دفاعاً عن إسرائيل، وشارك في إحباط هجمات الصواريخ الإيرانية. قال ماكرون مؤخراً: "نحن نقاتل معكم ضد أعدائكم بتوجيه مني، وأنتم تتهمونني بدعم الإرهاب." إنه صديق لإسرائيل، وكذلك رئيس وزراء هولندا، ديك شوف، ورئيسة وزراء إيطاليا، جورجا ملوني، وغيرهم كثيرون من أبرز وزراء أوروبا وقادتها الذين بدأوا بالانضمام إليهم.
إنهم يسمعون أصوات غزة، ويرون معاناة مئات آلاف المدنيين، ويسمعون ما يُقال في جلسات الكابينيت الإسرائيلي، ويدركون ما بات ظاهراً وواضحاً: وزراء الحكومة الإسرائيلية، بقيادة زعيم العصابة نتنياهو، ينتهجون، عمداً، ومن دون تردُّد، سياسة تجويع وضغط إنساني، قد تكون عواقبها كارثية.
لقد بدأت تُسمع أصوات من حكومات تُعدّ صديقة لإسرائيل، مثل كندا وبريطانيا وفرنسا، تدعو إلى اتخاذ إجراءات صارمة ضد الحكومة الإسرائيلية، حتى لو ألحق ذلك ضرراً جسيماً بدولة إسرائيل. ماكرون اقترح النظر في مستقبل اتفاقية الشراكة بين إسرائيل والاتحاد الأوروبي، وتبعه في ذلك رئيس وزراء إسبانيا ورئيسا وزراء هولندا وإيطاليا، وهذان الأخيران، بخلاف ماكرون، محسوبان على اليمين، وقد تجنبا حتى وقت قريب اتخاذ أيّ خطوة قد تُحرج إسرائيل.
ستتعاظم هذه الأصوات، وعلاوةً على خطوات المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي، هناك خطر حقيقي من اتخاذ إجراءات عقابية فعلية ضد دولة إسرائيل، ستكون تكلفتها الاقتصادية والسياسية (وفي بعض الحالات، حتى العسكرية) مدمِّرة.
إن جوقة البلطجية في حكومة نتنياهو، وآلة التحريض التي تديرها، ستقوم فوراً بإطلاق صرخات الضحية المعهودة: "الأغيار معادون للسامية. إنهم يكرهوننا. كانوا دائماً ضدنا. إنهم يدعمون ’الإرهاب’، ونحن نقاتل ’الإرهاب’." لكن الحقيقة هي أن هذه الحكومات ليست معادية لإسرائيل، بل معادية لحكومة إسرائيل. إنها ترى أن الحكومة أعلنت الحرب على دولة إسرائيل، وعلى مواطنيها، وأن الضرر الذي تتسبب به للدولة قد يكون غير قابل للإصلاح.
وأنا أتفق معهم. أعتقد أن حكومة إسرائيل هي العدو الداخلي. لقد أعلنت الحرب على دولة إسرائيل وسكانها. لم يتسبب أيّ عدو خارجي، من بين أولئك الذين خضنا ضدهم الحروب على مدار 77 عاماً من وجود الدولة، بضرر أكبر مما تسبّبه لنا حكومة إسرائيل، برئاسة إيتمار بن غفير ونتنياهو وبتسلئيل سموتريتش، كما لم يتمكن أيّ عدو خارجي من زعزعة التضامن الاجتماعي، الذي كان دائماً مصدر قوة المجتمع الإسرائيلي في كل اختبار مصيري منذ سنة 1948، مثلما فعلت وتفعل حكومة نتنياهو.
سأكرر هنا بإيجاز ما أصبح مسلّماً به لدى شرائح واسعة من الجمهور الإسرائيلي: هذه الحكومة غير جديرة، فهي غير قادرة ولا راغبة في فعل شيء لمصلحة الدولة، ولمواطنيها، بل منشغلة بالكامل بتدمير كل أسس الوحدة الداخلية، وكل أشكال التعاون بين مكوّنات المجتمع المختلفة، حتى تلك التي تختلف فيما بينها إزاء قضايا جوهرية. إنها مدفوعة بحماسة مجنونة لإشعال الصراع بين الأخ وأخيه، وبين الأم وأبنائها، وبين الجنود وزملائهم، وبين الزعران والخاطفين وعائلاتهم، وذلك بدافع متعة سادية، ومَرَضية، ومتفلتة، وإجرامية. وطبعاً، لن تُعيد المخطوفين.
وفي خضم هذه الفوضى العارمة، نواصل ذبح المدنيين الفلسطينيين أيضاً في الضفة الغربية. قلت ذلك، ولن أتراجع: "شباب الرعب" يرتكبون يومياً أفعالاً إجرامية شنيعة في أنحاء الضفة، بتغاضٍ تام من الشرطة ووحدات الجيش المتمركزة في مناطق الجريمة.
إن جريمة قتل "تسالا غاز" مروّعة. لا يمكن إلّا أن يشعر الإنسان بالألم تجاه مصير هذه الشابة، والمأساة التي كانت ضحيتها، وهي في طريقها إلى المستشفى لتلد ابنها، الذي نأمل أن ينجو ويترعرع وسط عائلة محبّة، ستحميه بالتأكيد. لكن إعلان رئيس المجلس الإقليمي "للسامرة"، يوسي داغان، أنه يجب "إبادة القرى الفلسطينية"، هو تصريح بإبادة جماعية. وعندما تُحرق قرية فلسطينية، واحترق العديد منها فعلاً، سيُقال لنا إن مَن نفّذوا الهجوم هم "مجموعة صغيرة وعنيفة لا تمثّل المستوطنين." هذه كذبة. إنهم كُثر. إن طلائع الهجوم دائماً تكون أقلّ عدداً، لكن يقف خلفهم أمثال يوسي داغان الذين يمنحونهم الإلهام، ويساعدونهم على الإفلات من الكشف، ويُعدّون الموجة القادمة من المهاجمين.
أين الشرطة؟ أين الجيش؟ أين عشرات الآلاف من المستوطنين الذين سيقولون إن "شباب الرعب" مجرمون، ومكانهم في السجن، وليس في قطف الزيتون من حقول سكان الضفة الغربية؟
لا يمكن أيضاً التغاضي عمّا يحدث داخل بعض وحدات الجيش الإسرائيلي، بما في ذلك الوحدات الخاصة، حيث يخدم أفضل المقاتلين وأكثرهم جرأة. هناك عدد كبير من الحالات التي يتم فيها إطلاق النار بوحشية على المدنيين، وتدمير للأملاك والمنازل، حتى في الحالات التي لا يكون هناك أيّ مبرر لذلك. هناك أيضاً نهب للأملاك، وسرقة من داخل البيوت، وفي كثير من الأحيان، تباهى بها جنود الجيش الإسرائيلي ونشروها في منشوراتهم الشخصية. نحن نرتكب جرائم حرب. لستُ شريكاً في تقييم رئيس الأركان الأسبق موشيه يعالون، الذي قال إننا نمارس تطهيراً عرقياً، لكننا نقترب من النقطة التي لن يكون في الإمكان الإنكار أن هذه هي النتيجة الحتمية لِما تفعله الحكومة والجيش ومقاتلونا الشجعان على أرض الواقع.
لقد حان الوقت للتوقف، قبل أن تنبذنا عائلة الأمم، وتُوجَّه إلينا دعوات للمثول أمام المحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب، حيث لن تنفعنا، حينها، أيّ وسيلة دفاع.
نشكركم على القراءة، ونتطلع لمشاركتكم في مقالاتنا القادمة للحصول على أحدث الأخبار والمستجدات.
0 تعليق