نقدم لكم زوارنا الكرام أهم وآخر المستجدات كما وردت في المقال التالي: كيف تقوّض "إسرائيل" أركان الدولة الفلسطينية، ولماذا منعت الوفد العربي من الوصول إلى رام الله؟ #عاجل - تليجراف الخليج اليوم الاثنين الموافق 2 يونيو 2025 03:38 مساءً
كتب عريب الرنتاوي *
اتسم قرار حكومة نتنياهو رفض السماح للوفد الوزاري العربي/الإسلامي بالدخول إلى رام الله، بالكثير من الغطرسة والاستعلاء، واستبطن كثيراً من معاني الاستخفاف و"قلة الاحترام" للمنظومة العربية... لم تر "تل أبيب" في زيارة وفد الوزراء، أنها "نصف الطريق" للتطبيع، كما وصفها معارضو الزيارة من عرب وفلسطينيين، بل رأوا فيها تحدياً سافراً و "استفزازاً" لحكومة الفاشيين الجدد بأجندتها وأولوياتها، غير الخافية على أحد.
لكن الزيارة "المُجهضة"، في سياقها التحضيري لمؤتمر نيويورك المقرر في السابع عشر من الجاري، وما سبقها من خطوات وقرارات إسرائيلية توسعية واستيطانية ذات طبيعة استراتيجية، أعادت تسليط الأضواء على الوضع القائم في الضفة الغربية، وظهّرت عناوين التوجه الإسرائيلي الاستراتيجي، إن لجهة مستقبل الأراضي الفلسطينية المحتلة، أو بخصوص ما يدور حوله الحراك العربي/الدولي: حل الدولتين، والاعتراف بدولة فلسطينية مستقلة.
بهذا المعنى، نظرت حكومة نتنياهو إلى زيارة الوفد العربي/الإسلامي، بوصفها خطوة تندرج في سياق معاكس تماماً لأولويات الاستراتيجية حيال قضية فلسطين، أرضاً وشعباً وحقوقاً ومقدسات، غير آبهةٍ بكونها أول زيارة لمسؤول سعودي رفيع منذ احتلال الضفة الغربية، بل ومنذ زيارة العاهل السعودي الراحل الملك فيصل إلى القدس في عام 1966، ولا لكون السعودية، تعدّ بكل المقاييس "درجة تاج" المسار الإبراهيمي، وجائزة الترضية الكبرى التي تنتظرها إن هي أوقفت الحرب على غزة، وقبلت – ولو لفظياً – بالمطلب الفضفاض حول "حل الدولتين".
لم تكترث "إسرائيل" لكون الوفد الزائر، يضم في صفوفه – بربطة معلم – أهم الدول العربية (وتركيا)، وجميعها متورطة بهذا القدر أو ذاك، بالسلام معها، ومنخرطة بهذا القدر أو ذاك، في مسارات تطبيعية ثنائية، لم تتأثر ولم تهتز حتى بعد مرور عشرين شهراً على حرب التطويق والتطهير والتجويع والإبادة في قطاع غزة... ولم تقم "تل أبيب" وزناً لـ"شغف" إدارة ترامب، ومن قبلها إدارة بايدن، في تعميم "السلام الإبراهيمي" على مزيد من الدول العربية والإسلامية، ودائماً في سياق شرق أوسطي جديد، خاضع وخانع للهيمنة الأميركية – الإسرائيلية.
ليس لأن "إسرائيل" زاهدة في التطبيع، أو أنها لا تريد لهذا "الشرق الأوسط الجديد" أن يرى النور، بل لأنها لا تريد أن تدفع مقابل ذلك، أي ثمن من أي نوع وبأي حجم... لـ"تل أبيب" سلم أولويات، تتصدره مشاريع الإبادة والتطهير والضم والتهجير، وبعد ذلك، بعد ذلك فقط، يمكن النظر في ما يمكن إقامته من علاقات مع عواصم العرب والمسلمين...
لم يعد التطبيع أولوية حاسمة مقررة في حسابات السياسة الإسرائيلية، هناك أولويات أكثر أهمية، ولقد دلل القرار بمنع زيارة الوفد، على تناقص وزن دولنا العربية والإسلامية في حسابات السياسة الإسرائيلية، إذ إن النظام الرسمي العربي، ما انفك يعتمد "دبلوماسية بلا مخالب"، مكتفياً بالشجب والتنديد والمناشدة، ومناشدة المجتمع الدولي القيام بأدوار نيابة عنه، واتخاذ إجراءات، لا ترغب دوله في اتخاذها، ولا إرادة سياسية لديها على تجريبها.
ثلاثة أهداف
إلى جانب ما قيل عن تشاور وتنسيق عشية مؤتمرَي باريس ونيويورك، وضع الوزراء العرب ثلاثة أهداف معلنة ومضمرة لزيارتهم "المُجهضة" إلى رام الله:
(1) تدعيم المكانة المتآكلة للسلطة الفلسطينية، واستنقاذها من "سيناريو الانهيار"...
(2) تشجيع دول غربية وغيرها على الاعتراف بدولة فلسطينية، وإن على ورق كما قال إسرائيل كاتس...
(3) حشد الدعم الدولي لـ"حل الدولتين"، بوصفه على مصاعبه، أكثر الحلول واقعية وعملية لهذا الصراع الممتد.
هذه الأهداف، المباشرة وغير المباشرة، تصطدم بجدول أعمال حكومة اليمين الفاشي في "تل أبيب"، والتي لا تترك فرصة تمر، من دون أن توظفها لتقويض مكانة السلطة، التي لم يشفع لها، لا "التنسيق الأمني المقدس" مع الاحتلال، ولا مواقفها المناهضة للمقاومة في غزة والضفة ولبنان، وفي كل مكان...الائتلاف الحاكم، قرر مدعوماً بغالبية إسرائيلية، تقويض فكرة الدولة الفلسطينية، مرة واحدة، وإلى الأبد.
ليس ما تفعله "إسرائيل" في الضفة الغربية، والقدس بالذات، بخافٍ على أحد، ولا يحتاج المواطن الفلسطيني والعربي إلى محللين وخبراء لشرح مرامي السياسة الإسرائيلية وأهدافها، فهم يقولون علناً ما يريدون فعله، بجرأة تتخطى الوقاحة، ويُتبعون أقوالهم بالأفعال، ونحن سادرون في "حالة إنكار"، نرى الذئب أمام ناظرينا، ونجهد في البحث عن "قصاصي الأثر" لمعرفة موقع "وكره"، أما "إسرائيل" فماضية بلا هوادة، في تحطيم فكرة دولة الفلسطينيين، بأركانها الثلاثة: الأرض والشعب والنظام السياسي.
ابتلاع الأرض، وترويع الشعب وتقويض النظام، هذه هي المحاور الثلاثة التي تتوزع عليها ممارسات "إسرائيل" وإجراءاتها اليومية، المنهجية والمنظمة..."إسرائيل" استبقت زيارة الوفد العربي، بقرار غير مسبوق منذ احتلال 67، بإنشاء والاعتراف بـ"22" مستوطنة وبؤرة استيطانية، تمتد من شمال الضفة إلى جنوبها، مروراً بالقدس والمنطقة الوسطى والأغوار... وقبلها كانت حكومة نتنياهو تتخذ أحد أخطر قراراتها، حين أحالت مسؤولية تسجيل الأراضي والعقارات في المنطقة "ج"، إلى سموتريتش، كوزير ثانٍ في وزارة الدفاع، مولج بالإدارة المدنية للضفة...و"إسرائيل" بصدد إلغاء طرق رئيسة في الضفة وفتح "أنفاق" لحركة الفلسطينيين، لتخطي تقطيع أوصال الأرض الفلسطينية، التي تحوّلت بوجود 800 ألف مستوطن، إلى "كانتونات" معزولة بعضها عن بعض.
وترويع الشعب تحوّل بعد السابع من أكتوبر إلى كابوس يقض مضاجع الفلسطينيين، بعد سقوط ما يقرب من الألف شهيد، وإصابة أضعاف أضعافهم، واعتقال أزيد من 15 ألف مواطن، وتهجير أكثر من 2000 من أبناء القرى البدوية جنوب الخليل والأغوار في "المنطقة ج" إلى مناطق (أ و ب)، وتهجير ما يربو عن الأربعين ألف مواطن من مخيمات جنين وطولكرم وجوارها، من ضمن خطة معلنة، لإزالة المخيمات ومطاردة الأونروا (وحق العودة)، ونشر ما يقرب من ألف حاجز عسكري، كثيرٌ منها، تحوّل إلى معابر تشبه "المعابر الدولية"، في مسعى لتقطيع أوصال الشعب والأرض، وحشر الفلسطينيين في "مراكز تجميع /concentration camps"، في إعادة إنتاج لتجربة اليهود تحت ظلال النازية الألمانية.
أما تقويض النظام السياسي الفلسطيني، فيتجلى ذلك، في سياسة تجفيف مصادر السلطة ومصادرة أموال المقاصة، وتقويض أي دور "سيادي" لها حتى وإن كان "شكلياً، وفي "عاصمتها المؤقتة"، فضلاً عن عمليات الإذلال المتعمدة التي لا تستثني رئيسها ورئيس وزرائها، كما حصل حين عرقلت خروجه من رام الله لزيارة دمشق، وحين منعت الوفد الوزاري العربي من الوصول إلى مقره في "المقاطعة"، تلك العمليات التي يكاد لا ينجو منها أحد، بمن في ذلك، الأجهزة الأمنية والشرطية والعدلية ومؤسسات المجتمع المدني والمؤسسات المالية والاقتصادية.
"إسرائيل" لا تريد السلطة، ليس لأنها -لا سمح الله-تشكل تهديداً أمنياً لاحتلالها، بل بما تشي من "احتمالات" تحوّلها إلى دولة... هي ترفض تمكينها في الضفة، وتقطّع أرجلها وأذرعها في القدس، وتمنع وصولها إلى قطاع غزة، حتى في "اليوم التالي" أو الذي يليه..."إسرائيل" ماضية في مشروع "روابط المدن"، وجُلّ ما يمكن أن تسمح به، هو شكل من أشكال "الإمارات الفلسطينية غير المتحدة".
وفي القدس، تتكثف مشاريع الأسرلة والتهويد والتهديد، حكومة نتنياهو تعقد اجتماعها في بؤرة استيطانية في حي سلوان، وشاخصات الطرق باتت تشير إلى موقع "الهيكل، وليس إلى الحرم الشريف، وتدنيس الأقصى لم يعد عملاً فردياً، بل سياسة منهجية منظمة ومموّلة ومرعية من قبل حكومة الاحتلال، وأعضاء في الكنيست يفاخرون بأنهم باتوا يقتحمون المسجد بالآلاف، ويقيمون الصلوات التوراتية ويمارسون طقوسهم التلمودية، من دون أن يحرك أحد ساكناً...إنهم ينظرون إلى ما يفعلونه اليوم في داخل الحرم وباحاته، بوصفه "بروفة" لإزالة هذا الأثر الإسلامي الخالص، من دون خشية من "انطباق السماوات على الأرض"، كما يحذر بعضنا مدفوعاً بالأمل والرجاء، وربما بـ"تفكير رغائبي".
"إسرائيل" ماضية في ترجمة استراتيجيتها حيال الضفة، ولا تريد لأحدٍ أي يعكر صفوها، لا بفعل زيارة غير مرغوبة لوفد وزاري عربي، ولا كنتيجة لحراك دولي يهدف إلى حشد الاعترافات الدولية بالدولة الفلسطينية وشق "طريق لا رجعة فيه" نحو "حل الدولتين"، وما لم يعمد العرب إلى "تسليح دبلوماسيتهم" ببعض الأنياب والمخالب، فليس منتظراً لهذا الحراك، أن يغير الأحوال على الأرض، وهذا هو المعنى الذي قصده كاتس، عندما قال "إنهم يعترفون بدولة فلسطينية على ورق، ونحن نقيم دولة اليهود على الأرض".
لا يعني ذلك، ويجب أن لا يفهم منه "التهوين" من شأن الحراك الدبلوماسي العربي والدولي، فأي جهود تصب في خانة عزل "إسرائيل" ونزع "الشرعية" عن احتلالها المديد والمرير، هي خطوات في الاتجاه الصحيح، وتصب على المدى الأبعد، في صالح الفلسطينيين، بيد أن "التهويل" بقيمة هذا الحراك وأثره، هو ما يتعين التنبيه إلى مخاطره، ولا سيما أن ثمة "متزعمين" لهذا الحراك: فرنسا تريد للاعتراف الغربي بالدولة الفلسطينية (على الورق) أن يندرج في سياق "حزمة"، تفضي إلى اعتراف عربي وإسلامي، وربما تطبيع مجاني، بـ"دولة" يهودية إسرائيلية على الأرض، فتصبح "المقايضة" ظالمة، وتُنجي "تل أبيب" من خطر العزلة والعزل.
* الكاتب مدير عام مركز القدس للدراسات السياسية
نشكركم على القراءة، ونتطلع لمشاركتكم في مقالاتنا القادمة للحصول على أحدث الأخبار والمستجدات.
0 تعليق