من "الإنسان النصف إلى الإنسان المتكامل" : قراءة في فكر مالك بن نبي - تليجراف الخليج

0 تعليق ارسل طباعة

نقدم لكم زوارنا الكرام أهم وآخر المستجدات كما وردت في المقال التالي: من "الإنسان النصف إلى الإنسان المتكامل" : قراءة في فكر مالك بن نبي - تليجراف الخليج اليوم الخميس الموافق 12 يونيو 2025 06:06 مساءً

 مالك بن نبي (1905-1973) هو أحد أبرز المفكرين الجزائريين الذين تناولوا قضايا النهضة الحضارية في العالم الإسلامي. تركّزت أعماله على تشخيص أسباب التخلّف الحضاري ما بعد الإستعمار وكيفية الخروج منه، معتمدًا على مفاهيم مثل "القابلية للاستعمار" و"دورة الحضارة". ويرى أن الاستعمار ليس من أسباب التخلف بل هو نتيجة له، فالتخلف سبب الاستعمار وليس العكس. إذا فالتخلف بالنسبة لمالك بن نبي هو نتيجة لمرحلة طويلة من الانهيار في عالم الأفكار والثقافة والقيم. من بين تصوّراته الملفتة للإنتباه والمثيرة للجدل في آن واحد فكرته عن "الإنسان النصف" ، والتي تعكس رؤيته النقدية لواقع المجتمعات المسلمة في مرحلة ما بعد الاستعمار.

يشير بن نبي بـ"الإنسان النصف" إلى الفرد في المجتمعات المتخلّفة وبشكل خاص في المجتمعات العربية والإسلامية الذي يعيش في حالة من الازدواجية والتناقض والإنفصام وفقدان التوازن فهو:

نصف عصري: يتبنى معطيات الحضارة الغربية (التقنية، الفكر، القيم) ويقلدها بشكل سطحي دون فهم او نقد او تمثل حقيقي ولا يستوعب التراث ويحوله لمجرد شعارات او عادات مفرغة من المضمون .

نصف مثقّف: يحمل شهادات علمية ولكن دون وعي حضاري أو إنتاج فكري أصيل.

نصف متديّن: يمارس الطقوس والعبادات الدينية دون وعي ودون ان تنعكس على سلوكه وتعامله مع الآخرين ودون فهمٍ او ربط لدورالدين في بناء الحضارة.

نصف منتج: يعمل في وظائف حديثة من أجل الكسب المادي فقط لكنّه غير قادر على الإبداع أو المساهمة في التنمية.

نصف مواطن: يتغنى بوطنه ويرفع علمه عاليا ما دام يكسب منه ويأخذ منه ويدير ظهره للوطن ولا يضحي من اجله عندما يكون الوطن بحاجة اليه.

يرى بن نبي أن هذا الإنسان هو نتيجة طبيعية لـ"القابلية للاستعمار"، أي الاستعداد الداخلي للتبعية بسبب انهيار المنظومة القيمية والفكرية وخاصة بعد سقوط دولة الخلافة العثمانية وفرض الثقافة الغربية نفسها كـ"معيار وحيد" للتقدم، مما خلق قطيعة مع التراث وتبني الأفكار والمؤسسات الغربية دون تمحيص (مثل الديمقراطية الشكلية، القومية، العلمانية) مما أدى إلى فقدان البوصلة الحضارية للإنسان العربي والمسلم وتحوله الى "كائن مستهلك" للحضارة بدلاً من أن يكون "صانعاً لها"، ففقد روح الإبداع والمسؤولية.

ومن اهم مظاهر او اعراض حالة "الإنسان النصف" حسب تشخيص بن نبي، التقليد الأعمى : تبني المظاهرالغربية (اللباس، العمارة، التعليم، الطعام،الخ) دون وعي بمنطلقاتها الفلسفية، والازدواجية: التحدث باسم القيم الإسلامية مع ممارسة سلوكيات مناقضة لها في الاقتصاد والسياسة والإجتماع، والعجز عن الإبداع: الاعتماد على منتجات الحضارات الأخرى (تقنية، فكرية) دون قدرة على الإضافة أو التطوير، والانفصام الحضاري والنفسي: الشعور بالدونية تجاه الغرب، مع نزعة عدوانية تعويضية تجاه التراث .

وبناء على ما تقدم، فإن مشروع النهوض بالأمة العربية ولإسلامية يحتاج الى بناء انسان متكامل تتوفر فيه: التوازن بين الروح والمادة كما كان في الحضارة الإسلامية في عصرها الذهبي، والإستقلال الفكري الذي يبني على التراث ولا يتوقف عنده ويأخذ من الحداثة ما يحتاجه ويناسبه ويبني نموذجا اصيلا لا نسخة باهتة بدون روح ، والفعالية الحضارية التي تحول الأفكار إلى منتجات ملموسة (علم، تقنية، أخلاق اجتماعية).

أهم الحلول المقترحة التي يطرحها مالك بن نبي للخروج من حالة "الإنسان النصف " العارضة الى حالة "الإنسان المتكامل" والتي لا بد منها لبناء الدولة العربية والإسلامية الحديثة : إعادة بناء الإنسان عبر تربية روحية وفكرية ومناهج وطنية اصيلة تعيد ربطه بقيمه الحضارية وتفتح له الآفاق على كل محدث نافع، وهنا يلتقي العلامة والمفكر الأردني الدكتور ماجد عرسان الكيلاني مع بن نبي باعتبار الإصلاح التربوي الذي يزاوج بين الأصالة والحداثة المدخل الرئيسي لنهضة الأمة. ويقترح بن نبي ايضا تطوير"علم اجتماع المسلم"لدراسة مشكلات المجتمع من منظور إسلامي أصيل ويدعو الى ضرورة التركيز على"التوليد الحضاري" لإستيعاب منجزات الحضارات الأخرى والبناء عليها بعد تغيير اتجاهها كما حدث مع التراث اليوناني في العصر العباسي.

خلاصة القول ان الإنسان النصف عند مالك بن نبي هو نتاج مرحلة ما بعد تفكك الدولة الإسلامية او"ما بعد الموحدين" (حسب تعبيره)، حيث توقف العالم الإسلامي عن إنتاج أفكاره وحضارته. المشكلة ليست في الإسلام كدين، بل في "عالم الأشياء" (التقليد) و"عالم الأشخاص" (التبعية) اللذين شكلا عوائق أمام "عالم الأفكار" (الإبداع). فالنهضة تبدأ بـ"صنع الإنسان" القادر على الجمع بين الأصالة والمعاصرة بوعي نقدي وأن محاولات التحديث التي تقفز عن معالجة ازمة الإنسان تؤدي الى انتاج ديكتاتوريات بشكل حديث وجوهر قبلي مع استمرار التبعية للغرب تحت شعارات وطنية.

نشكركم على القراءة، ونتطلع لمشاركتكم في مقالاتنا القادمة للحصول على أحدث الأخبار والمستجدات.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق