نقدم لكم زوارنا الكرام أهم وآخر المستجدات كما وردت في المقال التالي: الولاية عند الشيعة وحديث خم أكبر تزوير في... - تليجراف الخليج اليوم الجمعة 13 يونيو 2025 11:45 صباحاً
التدليس في الأحاديث:
يعتبر حديث "من كنت مولاه فعلي مولاه" عمود الشيعة والإمامة في أمر الولاية والوصية، وهو مؤول تأويلاً عندهم ومعتسف السياق؛ فهو كان جبراً من النبي -صلى الله عليه وسلم- لعلي من مقالة وبغض نفر من الصحابة من عمال الصدقة الذين كانوا باليمن ولحق بهم علي قبل الحج، وعلى راسهم بريدة بن الحصين.
ولحديث الموالاة سبب وهو أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال هذا الحديث حين اشتكى إليه بعض صحابته جفوة علي وغلظته، فعن ابن عباس -رضي الله عنهما- عن بريدة قال: غزوت مع علي فرأيت منه جفوة، فلما قدمت على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذكرت علياً فتنقصته، فرأيت وجه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد تغير، فقال: يا بريدة: ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قلت: بلى يا رسول الله قال: من كنت مولاه فعلي مولاه" رواه أحمد في مسنده (٥/٣٤٧)، وهو نوع من تربية النبي لأصحابه حتى يزيل الشحناء بينهم، وليس المقصود به الولاية ولا الوصية مطلقاً، والنبي كما أسلفنا في الحلقة السابقة رفض منح بني هاشم أمر الحجابة إلى جانب السقاية وهي الأقل شأناً فكيف بالولاية العامة؟!
وهناك طريق أخرى لحديث ما يسمى العترة الذي تعتمد عليه الشيعة والإمامة عموماً فيه تدليس كبير وفاضح وثغرة كبرى.. قال الترمذي أيضاً: حدثنا نصر بن عبدالرحمن الكوفي، حدثنا زيد بن الحسن، عن جعفر بن محمد، عن أبيه عن جابر بن عبدالله قال: رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في حجته يوم عرفة، وهو على ناقته القصوى يخطب، فسمعته يقول: "يا أيها الناس: إني تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا: كتاب الله، وعترتي: أهل بيتي". تفرد به الترمذي أيضاً وقال حديث حسن غريب.
وانظر إلى سلسلة الحديثين؛ في الأول سبعة رواة من عهد الترمذي الذي توفي عام 279هـ إلى عهد النبي، وهذا لا يستقيم أبداً مع سلسلة الأجيال لمدة قرابة ثلاثمائة عام؛ فهذه السلسلة لا تكاد تصل إلى مائة عام فقط؛ فهو يتحدث عن نفسه بزمانه (حدثنا...)، وأما السلسلة الثانية فخمسة أشخاص فقط وكأنه يواتر بهم إلى النبي، وهذا محال أيضاً أن تتصل سلسلة الخمسة أشخاص بالنبي -صلى الله عليه وسلم-، وهذه من الأدلة في اضطراب هذه الأحاديث وعدم صحتها.
ثم كيف يأخذ المتقدم وهو زيد بن الحسن عن اللاحق بعده بعشرين عاماً وهو جعفر بن محمد؟!
فلو أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- عهد إلى علي بن أبي طالب بالولاية، كما تقول الشيعة، لطالب بها علي بن أبي طالب قسراً بالسيف بعد وفاة النبي -صلى الله عليه وسلم-، لكنه لم يطالب بالولاية كوصية، لا في السقيفة ولا بغيرها، وهو ما كان يعلمه جيداً، وما بين الحديث المذكور المفتعل من الشيعة والسقيفة 70 يوماً، فهل نسي مائة ألفٍ من الصحابة حجوا مع النبي -صلى الله عليه وسلم- حجة الوداع تلك التي قال فيها هذه الخطبة وهذا الأمر وهذا الحديث ولم يذكره أحد لتثبيت الولاية لعلي بمن فيهم علي نفسه – رضي الله عنه؟!
فلو كان هناك نص لولاية علي لقاتل عليها علي بالسيف أبا بكر وعمر وعثمان ولم يرض بالتسليم لهم مطلقاً، ولكان جمع الناس له من حوله، خاصة وقد جاءه أبو سفيان يعرض عليه النصرة في بيعة أبي بكر في سقيفة بني ساعدة ليكون ضد أبي بكر.
ثم لماذا أخر الرسول -صلى الله عليه وسلم- هذه الخطبة إلى خم بعد الانتهاء من الحج مع أن علياً وبريدة لفيا الرسول -صلى الله عليه وسلم- في الميقات وقبل دخول مكة للحج؛ أي قبل الحج بأيام، ولم يقل هذه الخطبة في عرفة أو يوم النحر أو في أيام التشريق، أو الجمعة بعد ذلك، خاصة وقد كان للرسول -صلى الله عليه وسلم- خطبة ومقام يقوم بها في كل محطة حج من منى إلى عرفة، ومن عرفة إلى المشعر الحرام، ثم إلى منى، ثم بعد ذلك أثناء اجتماع كل المسلمين من الجزيرة العربية ليبلغهم هذا الأمر بدل التناقل؟!
لكن الحجة الداحضة في عدم وجود أمر الولاية والوصية هو النهج الذي اتبعه علي - رضي الله عنه- وهو يحاجج معاوية فلم يستشهد بنص ولا حديث ولا غيره وهو يقول له: "لقد بايعني القوم الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان"، وهذا الأمر يعززه أيضاً خطبته الأولى الشهيرة في نهج البلاغة، وهو يخطب عن بداية الخلق وخلق آدم وبعث الأنبياء والرسل، حتى جاء على ذِكر آخر الأنبياء والمرسلين محمد -صلى الله عليه وسلم- وتوقف عنده وما بعث به من تشريع وكتاب وسنة توقفت عند سنته ولم يتطرق البتة إلى ما سواهما، وهذا يدعم حديث حجة الوداع الذي رواه جابر بن عبد الله عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ".. وَقَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ إِنِ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ، كِتَابُ اللهِ، وَأَنْتُمْ تُسْأَلُونَ عَنِّي، فَمَا أَنْتُمْ قَائِلُونَ؟.."...الحديث.
يقول علي بن أبي طالب -رضي الله عنه: "...إلى أن بعث الله –سبحانه- نبيه محمداً -صلى الله عليه وآله وسلم- لإنجاز عِدّتِه، وإتمام نبوته، مأخوذاً على النبيين ميثاقه، مشهورة سماته، كريماً ميلاده، وأهل الأرض يومئذ ملل متفرقة، وأهواء منتشرة، وطرائق مشتتة، بين مشبِّهٍ لله بخلقه، أو ملحد في اسمه، أو مشيرٍ إلى غيره، فهداهم به من الضلالة، وأنقذهم بمكانه من الجهالة. ثم اختار سبحانه لمحمد -صلى الله عليه وسلم- لقاءه، ورضي له ما عنده، وأكرمه عن دار الدنيا، ورغب به عن مقام البلوى، فقبضه إليه كريماً - صلى الله عليه وآله-، وخلف فيكم ما خَلَّفتِ الأنبياءُ في أممها، إذ لم يتركوهم هملاً بغير طريق واضح، ولا علم قائم، كتابَ ربكم فيكم: مبيناً حلاله وحرامه، وفرائضه وفضائله، وناسخه ومنسوخه، ورخصه وعزائمه، وخاصه وعامَّه، وعِبَرَه وأمثاله، ومرسله ومحدوده، ومحكمه ومتشابهه، مفسراً مجمله، ومبيناً غوامضه، بين مأخوذ ميثاق علمه، وموسع على العباد في جهله، وبين مُثْبَتٍ في الكتاب فرضه، ومعلوم في السنة نسخه، وواجب في السنة أخذه، ومُرَخَّصٍ في الكتاب تركه، وبين واجب بوقته، وزائل في مستقبله، ومُباينٌ بين محارمه، من كبيرٍ أوعَدَ عليه نيرانَه، أو صغير أرصد له غفرانه، وبين مقبول في أدناه، موَسَّعٍ في أقصاه".
في هذه الخطبة الكثير من الدلالات والمعاني التي تدحض كثيراً من تقولات الشيعة الإمامية؛ فهي تنفي الوصاية، وتنفي الأحقية في القربى والذرائع الإمامية فيها وتأويل نص القربى بما يخالفها، وكذلك أهم نقطة عند الهادوية والحوثية الجارودية الإمامية، وهي أن العلم لا يؤخذ إلا من لدن الإمامة أو ما يسمونه (الآل) فلم يتطرق علي بن أبي طالب إلى هذه الأمور لا من قريب ولا من بعيد، ولو كان آخذاً بها مُنَظّراً ومُشَرِّعاً لها لذكرها في هذه السلسلة النصية التي تدعم حديث جابر بن عبدالله في واحدية التشريع الذي تركه النبي -صلى الله عليه وسلم- للأمة من بعده (كتاب الله وفقط)، وتنفي حديث الولاية والوصاية نفياً قاطعاً.
صحيح أنه في "نهج البلاغة" وردت خطب نسبت إلى علي في أمر الولاية والوصية، ولكن المتفحص لها يدرك جيداً أن مثل هذه الخطب إنما تم دسها في الكتاب ونسبت إلى علي بغير دليل، والدليل على هذا الدس والتزوير أن كل المصادر الأخرى للمؤرخين الأوائل أمثال الزهري، وكذا الطبري، ورواة الأحداث لتلك المصادر، وكذا في التاريخ الكبير للبخاري، لا يجد المتفحص فيها لتلك الخطب ولا المصطلحات (الوصاية، الولاية، الوراثة، أعلام الهدى، وأنهم أساس الدين وأسباب الهداية)؛ فهذه المصطلحات ابتكرت في أزمنة متأخرة عن حياة علي بقرنين من الزمن على الأقل، خاصة إذا ما عدنا لمعرفة أن كتاب "نهج البلاغة" ألف في القرن الرابع الهجري، ولا يؤمن الدس فيه وحشوه مما ليس فيه، وكثير من الخطب الواردة فيه لا يوجد لها أصل عند المصادر السابقة.
وكذلك من دلائل دسها في خطبه وفي هذا الكتاب أنها ضد وتناقض كل ما أثر عن علي وعمار بن ياسر في أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- لم يعهد له بشيء، ولو عهد له بشيء لقاتل عليه كما يردد في أكثر من موضع، ومنها خطبته في مقام بيعته أبا بكر الصديق -رضي الله عنه- بعد وفاة فاطمة - رضي الله عنها.
واعتبار قرابة النبي من عشيرته أساس الدين، كما جاء في خطبة منسوبة إلى علي بعد معركة صفين، تعتبر الخطبة الثالثة المنسوبة إليه في الكتاب "لا يقاس بآل محمد - صلى الله عليه وآله- من هذه الأمة أحد، ولا يُسَوّى بهم من جرت نعمتهم عليه أبدا: هم أساس الدين، وعماد اليقين. إليهم يفيء الغالي، وبهم يٌلحق التالي. ولهم خصائص حق الولاية، وفيهم الوصية والوراثة، الآن إذ رجع الحق إلى أهله، ونُقِل إلى منتقله" ، هو أمر ضد المساواة التي جاء بها الإسلام، وعنصرية يُراد تثبيتها في الإسلام، وتمييز حاربه الدين، وهو غمط لحق كبار الصحابة المضحين تضحيات جما أكثر مما ضحى غيرهم؛ كأبي بكر وعمر وعثمان وعبدالرحمن بن عوف ومصعب بن عمير وأبي عبيدة بن الجراح وآل ياسر وبلال بن رباح والأنصار الذين آوو ونصروا وقاسموا المسلمين كل شيء حتى اللقمة الواحدة؛ أولئك الأعمدة الحقيقيون الذين قام عليهم الدين بعد العمود الأول وهو النبي -صلى الله عليه وسلم-، في حين أن كثيراً من عشيرة الرسول خذلوه ولم يقفوا معه.
....يتبع
0 تعليق