في عالم السياسة المعقدة والقرارات الأمنية الحساسة، لا تأتي كل المؤشرات من تقارير سرية أو اجتماعات مغلقة. في بعض الأحيان، تكشف تفاصيل صغيرة وغير متوقعة الكثير، مثل ظاهرة غير تقليدية عُرفت باسم "مؤشر البيتزا"، التي أثارت الجدل والدهشة في آنٍ واحد.

الظاهرة الغريبة تقوم على ملاحظة أن ارتفاع طلبات البيتزا في مناطق معينة من واشنطن، وتحديدًا حول وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) والبيت الأبيض، عادة ما يتزامن مع أزمات دولية أو قرارات عسكرية كبرى، هذه الزيادة المفاجئة في الطلبات أصبحت منذ سنوات "إشارة غير رسمية" يُفسرها البعض بأنها دليل على تحركات أمنية طارئة تستدعي بقاء الموظفين في مواقعهم لساعات طويلة.

كيف بدأ كل شيء؟

البداية لم تكن سوى ملاحظة عابرة، لكن مع الوقت بدأت تُسجّل حالات متكررة لارتفاع طلبات الوجبات السريعة، لا سيما البيتزا، قبل أو أثناء أحداث سياسية كبيرة مثل غزو دول، أو تصعيدات عسكرية، أو حتى عمليات سرية.

هذا ما جعل المؤشر يأخذ بعدًا أكبر، إذ انتقل من مجرد مزحة بين المهتمين بالشأن السياسي، إلى أداة تحليل شعبية على مواقع مثل Reddit و"X"، حيث يتابع آلاف المستخدمين حجم الطلبات في مناطق قريبة من مقارّ القرار في أمريكا، باعتبارها وسيلة لرصد الأحداث قبل أن تُعلن رسميًا.

من المطبخ إلى مراكز القرار

أمثلة تاريخية عدّة دعمت هذا المؤشر، بدءًا من أحداث الثمانينيات والتسعينيات، ووصولًا إلى التوترات مع إيران مؤخرًا، حيث لوحظت قفزات مفاجئة في حجم الطلبيات على تطبيقات مثل "دومينوز" في أوقات حساسة، هذا التحليل العشوائي تحوّل إلى ما يُشبه النمط المتكرر، مما جعله أداة تستحق الانتباه، حتى لو لم تكن دقيقة 100%.

ثغرة محتملة في الأمن القومي؟

رغم أن الموضوع يبدو طريفًا، فإن هناك قلقًا حقيقيًا بين بعض الخبراء من أن يكون "مؤشر البيتزا" بمثابة ثغرة استخباراتية قابلة للاستغلال، إذا كانت بيانات شركات التوصيل متاحة أو قابلة للتحليل، فقد تتمكن جهات خارجية من استنتاج توقيت قرارات استراتيجية أو تحركات عسكرية بناءً فقط على حركة الطلبات في مناطق معينة.

وهو ما دفع بعض الأصوات للمطالبة بـ:

• تقييد بيانات التوصيل في المناطق السيادية.

• تطوير أنظمة أمن رقمي تحمي أنماط الشراء التي قد تُفهم كمؤشرات أمنية.

• رفع الوعي العام بقدرة البيانات "غير السياسية" على الكشف عن أنشطة حساسة.

البيتزا... ومفتاح السياسة الخفية

ما بين الطرافة والواقعية، يُثبت "مؤشر البيتزا" أن الأدوات غير التقليدية يمكن أن تكون مفاتيح لفهم تحركات كبرى، وأن كل تفصيل صغير قد يُخفي خلفه قصة كبيرة، فقد أصبحت هذه الوجبة السريعة عنوانًا ساخرًا لتحركات ثقيلة، ومثالًا جديدًا على كيف يمكن للتكنولوجيا والعادات اليومية أن تكشف المستور في عالم السياسة الدولية.