نقدم لكم زوارنا الكرام أهم وآخر المستجدات كما وردت في المقال التالي: التلفزيون:قصة عشق - تليجراف الخليج اليوم الثلاثاء الموافق 17 يونيو 2025 02:40 مساءً
قصتنا مع التلفزيون قصة عشق من أول نظرة، شيء غريب كيف أن هذا الصندوق الصغير غيّر شكل بيوتنا وحياتنا. كما يعلم الجميع، بدأ التلفزيون الأردني بثه عام 1968، ومع مرور سنوات قليلة، أصبح حلمًا جميلاً لكل مواطن. لم يكن امتلاكه سهلًا، البعض اشتراه من أول يوم، والبعض الآخر لم يكن يملك ثمنه، فاكتفى بزيارات الجيران والأصدقاء. أتحدث هنا عن مدينة السلط، في ذلك الزمن الجميل، كان من يملك التلفزيون يعدّون على الأصابع. أذكر بيت عمّي صالح العيسى العربيات، هناك حيث اشترى ابن العم المرحوم عبدالحليم عربيات في عام ١٩٦٨بنفس سنة افتتاح التلفزيون،تلك اللحظة كانت كالسحر. دخلت الشاشة البيت، ودخل معها العالم كله.
أتذكر في بداية السبعينيات أول مرة شاهدنا فيها مسلسل "فارس ونجود"، من بطولة محمود سعيد وسميرة توفيق، كم كانت الأصوات تشدّنا، وكم كان لحن الناي مؤثرًا. يا هلا برجال البادية يا هلا يا هلا... لا زلت أحفظ الأغنية، وكأنها ما زالت تُبث بالأمس. شدّاد، الراعي سطوف، كلها أسماء عاشت في خيالنا. أذكر مشهد فارس في وادي المنايا، عندما نزل بالحبل عن صخرة ارتفاعها متر ونصف، كأنها جبل شاهق. كان يشد على أسنانه، والعرق يتصبب من جبينه، وكأن حياته كلها تتدلّى على ذلك الحبل.
لا أنسى مشهد المبارزة بين فارس وشدّاد، كأنه دون كيشوت عربي، يدخل ساحة القتال بكل بطولة، رغم هشاشة الديكور، رغم بساطة الملابس، رغم بيت الشعر الذي يتحرك من نسمة المراوح. كل ذلك لم يكن يهم، كنا نصدق كل شيء، نعيش كل شيء. أغاني سميرة توفيق الحزينة والسعيدة في كل حلقة، النظارة الشمسية السوداء لأم نجود ، تخبيص اللهجات المختلفة بالمسلسل ، فصحى، بدوي، لبناني، خلطات لم نكن نفهمها، لكننا أحببناها. كنا نضحك من بعض المشاهد، ونبكي من غيرها، وكأن الشاشة كانت قطعة من القلب.
كنا ننتظر موعد الحلقة بفارغ الصبر، كانت الشوارع تخلو من الناس، منع تجول غير معلن، لا أحد في الخارج، الكل أمام التلفاز. ومن الغريب أن المسلسل أصله لبناني، إنتاج أوائل السبعينات، تأليف نزار مؤيد العظم، وإخراج إيلي سعادة، لكنه اصبح جزءًا من ذاكرتنا الأردنية،
قبل أيام، شاهدت مسلسلًا بدويًا حديثًا على إحدى القنوات، إنتاج ضخم، تصوير بجودة عالية، كل شيء محسوب. ومع ذلك، لم أشعر بشيء. فرق كبير بين ما يُنتج الآن وبين ما كنا نراه. صحيح أن الصورة أجمل، والإخراج أقوى، لكن الروح؟ لا تُقاس بالدقة، ولا بحجم الكاميرا.
يمكننا أن نضحك اليوم، نقول "كنا هبايل"، لكن الحقيقة أننا كنّا نعيش بصدق، نحب بصدق، ننتظر بصدق، وحتى أحلامنا كانت صادقة. التلفزيون لم يكن مجرد جهاز، كان نافذتنا إلى الخيال، إلى المغامرة، إلى الحنين. وما زال في قلبي حتى الآن... مسلسل "فارس ونجود" وكل لحظة جلسنا فيها أمام تلك الشاشة الصغيرة.ومع مرور الوقت،في عام ١٩٧٥ اشترى إبن العم ابوطارق تلفزيون ٢٠بوصة توشيبا،وفي عام ١٩٧٧ تحقق الحلم…وأصبح في بيتنا تلفزيون "شارب" ٢٤ بوصة، أبيض وأسود، بخزانة خشبية وأنتين داخلي.
اشتراه والدي من شركة في عمّان، عن طريق جارنا وصديقه المرحوم الإعلامي هاني الفرحان، رحمه الله.
منذ تلك اللحظة تغيّر كل شيء في البيت.
اصبحنا نتابع بشغف كل ما نحب، وبكل الأوقات، وبصراحة… كنا نتابع كل ما يُبث، من لحظة انطلاق الإرسال الساعة الخامسة مساءً، وحتى الحادية عشرة ليلاً، وقت انتهاء البث اليومي.
ننتقل بين برامج الأطفال،وعالم السيرك،والعلم والحياة،والنشرات الإخبارية، والمسلسلات العربية، وأحيانًا الأفلام الأجنبية المترجمة.
كان التلفزيون نافذتنا الصغيرة إلى العالم، ورفيق لحظاتنا العائلية، حين كان لكل شيء نكهة أبسط… وأجمل.
نشكركم على القراءة، ونتطلع لمشاركتكم في مقالاتنا القادمة للحصول على أحدث الأخبار والمستجدات.
0 تعليق