شكرًا لمتابعتكم، سنوافيكم بالمزيد من التفاصيل والتحديثات الاقتصادية في المقال القادم: زيارة توماس برّاك تملأ "الفراغ القاتل"... حتى لا تتكرّر "الحرب"؟! - تليجراف الخليج ليوم السبت 21 يونيو 2025 05:38 صباحاً
في لبنان كما في كلّ دول المنطقة، وربما العالم، تتصدّر الحرب الإسرائيلية على إيران كلّ الاهتمامات، وسط تكهّنات لا تنتهي حول سيناريوهاتها الممكنة، واحتمالات توسّعها، وصولاً لتحوّلها إلى حرب إقليمية شاملة، وربما حرب عالمية، وسط غموض لا يبدو "بنّاء" حول موقف الولايات المتحدة، وإمكانية دخولها المباشر على خطّها، في ضوء المواقف "المتباينة" التي يصدرها الرئيس الأميركي دونالد ترامب في هذا الصدد.
في هذه اللحظة الحسّاسة، بل الحَرِجة إن صحّ التعبير، حطّ المبعوث الأميركيّ في تركيا والمبعوث الخاصّ للرئيس دونالد ترامب إلى الملف السّوريّ، توماس برّاك، في بيروت، ليملأ "الفراغ" الذي خلّفته المبعوثة الأميركية مورغان أورتاغوس، التي كانت تتولى الملف اللبناني في إدارة الرئيس دونالد ترامب، وكان يفترض أن تزور لبنان في الأسابيع الماضية، قبل أن يصبح منصبها "شاغرًا" بفعل إقالتها، من دون تعيين بديل لها.
لكنّ برّاك قال في حديثه المقتضب للصحافيين على هامش زيارته إلى بيروت، إنه جاء "لمساعدة لبنان كي لا تتكرّر الحرب"، وهو موقفٌ تزامن بالمناسبة مع تجدّد الغارات الإسرائيلية على مناطق جنوبيّة عدّة، ما أدّى إلى سقوط ثلاثة شهداء في أقلّ من 24 ساعة، كما تزامن أيضًا مع تكهّنات حول احتمالات تدخّل "حزب الله" في الحرب الدائرة بين إيران وإسرائيل، وهو ما تطرّق إليه برّاك أساسًا، حيث وصفه بأنّه سيكون، في حال حدوثه، "خيارًا سيئًا جدًا".
لكن، بمعزل عن تدخّل "حزب الله" في الحرب، أو حتى احتمال "توريطه"، وفق أحد السيناريوهات المتداولة، حول ضربة "استباقية" يمكن أن تقدم عليها إسرائيل، يبقى الأكيد أنّ زيارة برّاك جاءت أيضًا في لحظة "فراغ" لبنانية، جُمّدت معها كلّ الملفات والاستحقاقات، بما فيها، أو ربما على رأسها سحب السلاح، فهل تشكّل الزيارة "خرقًا نوعيًا" على هذا الصعيد، أم لا تعدو كونها "تقطيعًا للوقت" بانتظار نضوج معطيات المرحلة المقبلة؟!.
في المبدأ، وقبل الدخول في تفاصيل زيارة توماس برّاك، والرسائل التي انطوت عليها، والانطباعات التي خلّفتها، خصوصًا لدى من التقاهم من مسؤولين، لا بدّ من التوقف عند السياق الذي جاءت فيه الزيارة، على المستوى الداخلي المرتبط بطبيعة الحال بذلك الإقليمي الذي تفرضه الحرب الإسرائيلية الإيرانية الآخذة في التصاعد، وهو سياق يمكن اختصاره لبنانيًا بلحظة "الجمود" على كلّ المستويات، أقلّه بانتظار اتضاح الصورة.
فعلى الرغم من أنّ لبنان الرسميّ يصرّ على أنّه "غير معنيّ" بالحرب الدائرة بين إيران وإسرائيل، وهو ما يتقاطع عليه رئيس الجمهورية جوزاف عون ورئيس الحكومة نواف سلام، اللذان يحذران من "توريط" لبنان في الحرب بأيّ شكل من الأشكال، ولكن أيضًا رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي يجزم بأنّ لبنان لن يدخل في هذه الحرب، إلا أنّ كل المعطيات تؤكد أنّه في حالة "ترقّب حَذِر" لما يمكن أن تذهب إليه الأمور.
وفي وقتٍ لم يصدر عن "حزب الله" ما يوحي بإمكانية خروجه عن موقف التضامن اللفظي والمعنوي مع إيران، فإنّ البيانات الأخيرة التي صدرت عنه سواء حول التهديدات باغتيال المرشد الأعلى في إيران السيد علي خامنئي، أو حول عدم وقوفه على الحياد، "وتصرّفه بما ياه مناسبًا"، وفق كلام أمينه العام الشيخ نعيم قاسم، تركت حالة من الغموض "غير البنّاء" ربما حول ما يمكن أن يتّخذه من موقف، إذا ما شعر بتهديد حقيقيّ للنظام في إيران.
لكن، بمعزل عن موقف الحزب، والتغيّرات التي يمكن أن تطرأ عليه، يؤكد العارفون أنّ الثابت وسط كلّ ذلك، أنّ لبنان يبقى في حالة "انتظار"، بدأت قبل اندلاع الحرب الإسرائيلية على إيران، حين راهن كثيرون على المفاوضات النووية بين الولايات المتحدة وإيران لتغيير بعض المعادلات، حتى إنّ هناك من اعتبر أنّ ملف سلاح "حزب الله" قد يكون جزءًا من التسوية التي يمكن أن يتوصّل إليها الطرفان، ولو تمّ حصر المفاوضات بالملف النووي.
ومع اندلاع الحرب، تعزّزت حالة "الانتظار"، وجُمّدت كل الاستحقاقات التي كانت مُنتظَرة، بما في ذلك ملف السلاح الفلسطيني، الذي كان يفترض أن يتمّ تحريكه هذا الشهر، فضلاً عن ملف سلاح "حزب الله"، وإن ربطه الأخير بوقف خروقات إسرائيل وانسحابها الكامل من الأراضي اللبنانية، حيث بات الاعتقاد بأنّ هذه الملفّات متروكة لما بعد انتهاء الحرب الحالية، التي لا تشبه أيّ مواجهة سابقة، بما في ذلك حروب "طوفان الأقصى"، وبالتالي لا بدّ أن تكون حاسمة.
وسط هذا الفراغ "القاتل" إن جاز التعبير، في لبنان وخارجه، جاءت زيارة توماس برّاك إلى بيروت، في سياق ما يفضّل العارفون توصيفه بـ"تقطيع الوقت"، ولكن أيضًا للتأكيد على الثوابت الأميركية في التعامل مع لبنان في مرحلة ما بعد الحرب الإسرائيلية الأخيرة، وبالتالي للتأكيد أنّ سحب المبعوثة السابقة مورغان أورتاغوس من المشهد، وهي التي عُرِفت بمواقفها المثيرة للجدل، لا يعني عمليًا تغيير العناوين التي انطلقت منها في مهمّتها.
هنا، يتحدّث العارفون عن مجموعة من الرسائل خلف زيارة برّاك، أولها أنّ الملف اللبناني ولو لم يعد يشكل أولوية بالنسبة للإدارة الأميركية في المرحلة الراهنة، مقارنة بالملف الإيراني، فضلاً عن الملف السوري، لا يزال في صلب اهتمامها، علمًا أنّ اختيار المبعوث الأميركي إلى سوريا تحديدًا، لملء الفراغ الناشئ عن شغور منصب أورتاغوس، لا ينبغ من فراغ، بل يدلّ على "ترابط" في الملفّين، أقلّه من منظور الرئيس دونالد ترامب.
وإذا كان برّاك ترك انطباعًا "إيجابيًا" لدى من التقاهم، بما يختلف عن الانطباع الذي كانت أورتاغوس قد خلّفته سابقًا، يفسّره قوله مثلاً إنّه جاء "لمنع تكرار الحرب" في مواجهة قول أورتاغوس سابقًا من بيروت، إنّها "ممتنّة" لإسرائيل على حربها ضدّ لبنان وما وصفته بـ"هزيمة حزب الله"، فإنّ ذلك لا يتجاوز "إعادة النظر" في طريقة التعامل، ولا يرقى لمستوى "التراجع" أو "التخلي" عن المهام المحدّدة والمرسومة.
ويتجلّى ذلك في التسريبات المتداولة عن فحوى اللقاءات التي عقدها برّاك مع المسؤولين اللبنانيين، بمن فهم رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي قال إنّه كان "مرتاحًا جدًا" خلال اللقاء، علمًا أنّ المعطيات أكّدت أنّ الحديث لم يخرج عن مبدأ "حصر السلاح بيد الدولة"، ولكن من دون "جدول زمني ملزم"، حاولت أورتاغوس فرضه، وهو ما ينسجم ربما مع المقاربة الجديدة، أو حتى حالة الانتظار الحالية، التي تدركها واشنطن جيّدًا.
في النتيجة، لا شكّ أنّ زيارة برّاك ملأت "الفراغ القاتل" الذي يعيشه لبنان، ومعه كلّ المنطقة، في هذه المرحلة، بانتظار نضوج معطيات الحرب الإسرائيلية على إيران وسيناريوهاتها وآفاقها، ولكنّها لم تُجِب عن الأسئلة التي تُقلِق اللبنانيين اليوم، فهل يبقى لبنان "محصّنًا" فعلاً من النزاع الإقليمي الحاصل، وما الذي يضمن ألا تسعى إسرائيل لاستدراج لبنان، وهي التي تواصل خروقاتها، وتهديداتها باستكمال القضاء على "حزب الله"، توازيًا مع حرب إيران؟!.
0 تعليق