نقدم لكم زوارنا الكرام أهم وآخر المستجدات كما وردت في المقال التالي: من طوفان الأقصى إلى عار الصمت.. كيف كشفت... - تليجراف الخليج اليوم الأربعاء 25 يونيو 2025 03:09 مساءً
لأكثر من نصف قرن، لم تتوقف إيران عن رفع شعار فلسطين، وذهبت إلى حدّ تأسيس “فيلق القدس” وتوزيع ميليشياتها في أربع دول عربية تحت لافتة “المقاومة”. وعلى مدى سنوات، ظل خطابها الرسمي يهدد بإزالة إسرائيل من الخارطة في حال تجرأت على المساس بها. فماذا فعلت وقد توالت الفرص لتحقيق وعودها؟
حين حانت اللحظة الحقيقية، واندلعت عملية “طوفان الأقصى” في 7 أكتوبر 2023، التزمت إيران الصمت. لم تشارك، ولم تدعم، بل اختارت النأي بنفسها عن الحدث الذي لطالما ادّعت الاستعداد له. لقد تركت حماس تواجه مصيرها وحيدة، وهي التي لطالما أعلنت أن هدفها هو تحرير الأقصى.
وحين قصفت إسرائيل سفارتها في دمشق، في غمرة الجرائم التي كانت ترتكبها بحق الفلسطينيين، كانت تلك فرصة ذهبية أخرى لإيران لتدخل الحرب تحت غطاء الرد على العدوان، لكنها مجددًا تراجعت، واكتفت برد هزيل تمثّل في إطلاق صواريخ بلا متفجرات، في عملية أقرب إلى التمثيل المسرحي منها إلى الفعل العسكري.
حتى حزب الله، الذي لطالما قدّم نفسه ذراعًا ضاربة لإيران، لم يتحرك إلا ببعض الصواريخ الخجولة. بقي في موقع المتفرج، بأوامر ضمنية من إيران. ومع تصاعد العدوان الإسرائيلي على غزة، التفتت إسرائيل إلى حزب الله، ووجهت له ضربات قاصمة، أودت بأمينه العام وكبار قياداته. أما إيران، فلم تحرك ساكنًا. وكأنّ التنظيم، الذي ظلّت تدعمه أربعة عقود لتدمير لبنان، وكانت تصفه بـ”المقاومة”، لا يعنيها في شيء وهو يتلاشى.
قبل أيام، جاء العمل الإسرائيلي الأوسع. غارات إسرائيلية نوعية في عمق إيران، طالت منشآت عسكرية ونووية، وأودت بحياة علماء ومسؤولين رفيعين، إضافة إلى قيادات عسكرية عليا في الجيش الإيراني وذراعه التخريبي، الحرس الثوري. طال القصف طهران وكل محافظات إيران ومفاعلاتها النووية. للمرة الثالثة، لم تفِ إيران بوعودها القديمة، ولم تنفذ تهديداتها، ولم تردّ بما يليق بـ”المظلومية” التي طالما اختبأت خلفها. لقد كان ردّها محدودًا، لا نصرة لفلسطين، بل دفاعًا عن بقاء النظام الجبان.
كانت إيران تصف أمريكا بـ”الشيطان الأكبر”، وحين وجّهت أمريكا “أمّ القنابل” إلى قلب المفاعلات النووية من الجو والبحر، اختفى ذلك المسمّى، وبدلًا من أن تفي بوعودها، بعد أن جاءت الفرصة إليها للمرة الرابعة، لم تفعل.
وجدت إيران نفسها في ورطة. كيف تغسل عارها؟ كيف تحافظ على ماء وجهها الذي أريق ثلاث مرات على يد إسرائيل، والرابعة بتوقيع الولايات المتحدة؟ تساءل ملالي إيران. وجاء الحل من خلف البحار: اقصفوا قاعدة العديد في قطر بعد إخلائها، وأوقفوا الحرب. لقد تمنت سلطنة عُمان لو كان ثمة قاعدة على أراضيها لتقوم بذات المسرحية.
عجبي لمن لا يزال يزايد بـ”إسلامية” إيران ودعواتها لتحرير الأقصى، وهو يتابع بأمّ عينيه وبملء أذنيه كيف تبددت كل الشعارات. فالحرس الثوري، الذي زعم أنه وُجد لتحرير القدس، عجز حتى عن حماية سيادة دولته، واتضح للجميع أن مشروع “إزالة إسرائيل من الوجود”، وهي التي تصفها بالشيطان الأصغر، مجرد وهم إعلامي، وقول لا يسنده فعل.
لقد انكشفت إيران أمام العالم أجمع. هشة وضعيفة، عاجزة، منتهكة السيادة بلا عزاء، وحيدة، ومنبوذة من الجميع، حتى أولئك الذين كانت تعوّل عليهم لإنقاذها في أيام الشدة، بمن فيهم وكلاؤها في المنطقة، وهي التي ظلّت تسلحهم وتدرّبهم وتمدّهم بالمال والتكنولوجيا وخبراء الدمار لسنوات، تركوها تواجه مصيرها، كما تركت هي حماس وحيدة أمام آلة الدمار الإسرائيلية ووحشيتها. تخلى الجميع عن إيران، فالشرير حين يسقط لا يتعاطف معه حتى الأشرار.
كما اتضح للجميع، وخصوصًا العرب والمسلمين، أن إيران لن تُقاتل من أجل فلسطين، ولا من أجل الإسلام، بل من أجل طموحها السياسي ونهجها المذهبي ومصالحها التوسعية. وهي حرة في ذلك، لكن من حقنا أن نرفض مزايداتها، بل ونفضحها، وأن نؤكد أن فلسطين قضيتنا نحن، قبل حتى أن تطلق شعاراتها الزائفة. وعلى طهران أن تعلم أن فلسطين قضية العرب والمسلمين أجمع، وأن الفلسطينيين سيحصلون على دولتهم المستقلة، بالطرق التي تناسب العصر، لا بما يخدم أجندات مذهبية أو مشاريع مشبوهة.
المنطقة اليوم أحوج ما تكون إلى سلام عادل، وإلى إنهاء سطوة الميليشيات على مصائر الشعوب. لقد تحررت سوريا من نظام الأسد القمعي، وتخففت لبنان من سطوة حزب حسن نصر الله، والعراق تتأهب، وكذلك اليمن، لقطع دابر الميليشيا، لأن المجتمع الدولي بات على يقين تام بخطر تلك الميليشيات، ليس على الدول التي تنشط فيها، بل على المنطقة والعالم.
ولعلّ إحدى حسنات السابع من أكتوبر 2023، كشفه للمستور، وتأكيده المؤكد بأن إيران ووكلاءها يهددون استقرار الإقليم كما تفعل إسرائيل، وأن الطريق إلى الأمن يمرّ عبر تفكيك هذه الميليشيات المسلحة والقضاء عليها، واحترام سيادة الدول، والتزام مبدأ حسن الجوار، لبناء شرق أوسط يعيش في استقرار وازدهار، لا في وهم “المقاومة” الزائفة.
0 تعليق