عشق إلهيٌّ وشهادة واستشهاد - تليجراف الخليج

0 تعليق ارسل طباعة

شكرًا لمتابعتكم، سنوافيكم بالمزيد من التفاصيل والتحديثات الاقتصادية في المقال القادم: عشق إلهيٌّ وشهادة واستشهاد - تليجراف الخليج ليوم السبت 28 يونيو 2025 02:57 صباحاً

القدِّيسان بطرس وبولس هما عمودان أساسيَّان في ​الكنيسة​، تطلُّ علينا ذكراهما في التاسع والعشرين من حزيران. شخصيَّتان مختلفتان من منطقتين ونشأتين متباينتين. بطرس من الجليل، كان مع أخيه أندراوس صيَّادَي سمك. اسمه الأصليُّ سمعان بن يونا، وقد دعاه الربُّ يسوع ​المسيح​ «صفا»، وهو اسم آراميٌّ (كِيفَا) معناه «صخرة» أو «حجر ثابت»، ويقابله باليونانيَّة : Κηφᾶς (Kēphas)، ويُكتب باللاتينيَّة: Cephas. أمَّا باليونانيَّة فالمعنى هو Πέτρος (Petros)، والَّذي اشتُقَّت منه الأسماء : Pierre، Peter، وبطرس.

وقد أكَّد الربُّ مجدَّدًا أنَّ بطرس هو «صخر» حين أعلن بوحي إلهيٍّ أنَّ يسوع هو «الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ الْحَيِّ». لكنَّه في لحظة تبعتها وُصف بـ «الشيطان» حين وقف ضدَّ تدبير الله الخلاصيِّ. وهكذا نحن: عندما نثبت في يسوع نبني ذواتنا على صخرة الإيمان، ولكن عندما نقاوم عمل الله، نعمل في مصلحة الشرير.

لم تكن تسمية يسوع لبطرس بـ «صخر» مرتبطة فقط بإعلانه، ولم يقصد الربُّ أنَّ بطرس هو صخرة الكنيسة، لأنَّ يسوع نفسه هو «الصخرة». لذا قال الربُّ: «أَنْتَ بُطْرُسُ، وَعَلَى هذِهِ الصَّخْرَةِ (πέτρᾳ – petra) أَبْنِي كَنِيسَتِي، وَأَبْوَابُ الْجَحِيمِ لَنْ تَقْوَى عَلَيْهَا» (متى 16: 18) ولم يقل عليك. الفرق بين كلمتي «بطرس Petros» و«الصخرة petra» في النصِّ اليونانيِّ واضح، وكذلك في لغات أخرى كـالفرنسيَّة: tu es Pierre, et sur cette pierre، حيث تُفرَّق بين اسم العلم «Pierre» والصخرة الَّتي يُبنى عليها الإيمان.

أمَّا بولس الرسول فهو من مدينة طرسوس في كيليكية (جنوب تركيا الحاليَّة). اسمه الأصليُّ شاول، وهو اسم عبريٌّ نسبةً إلى الملك شاول من سبط بنيامين، وهو سبط بولس نفسه. ومعناه على الأرجح «سأل» أو «طلب».

كان من الشائع حينها أن يكون لليهود اسم رومانيٌّ موازٍ، لا سيَّما لحاملي الجنسيَّة الرومانيَّة مثل بولس. وتبدأ هذه التسمية بالظهور في سفر أعمال الرسل (9: 13): «وَأَمَّا شَاوُلُ، الَّذِي هُوَ بُولُسُ أَيْضًا». بولس (Paulus) اسم روماني معناه "الصغير" أو "المتواضع".

ظهر الرب لبولس على طريق دمشق وناداه باسمه: «شاول»، وعرَّف عن نفسه بأنَّه يسوع الَّذي يضطهده، وقال له: «صَعْبٌ عَلَيْكَ أَنْ تَرْفُسَ مَنَاخِسَ» (أعمال 9: 5). دخل شاول المدينة أعمى، واستعاد بصره بعد أن عمَّده حنانيا، فانطلق ليصبح رسول الأمم.

يا له من عبور قياميٍّ! مِن «شاول» المرتبط بالقسوة إلى «بولس» الصغير المتواضع. هكذا نحن أيضًا مدعوُّون إلى أن نولد في المسيح خليقة جديدة، ونتواضع لننمو إلى ملء قامة المسيح. كان بولس يفتخر بولادته الجديدة: «بُولُسُ، عَبْدٌ لِيَسُوعَ الْمَسِيحِ، الْمَدْعُوُّ رَسُولًا، الْمُفْرَزُ لإِنْجِيلِ اللهِ» (رومية 1: 1).

«المناخس» هي أدوات حديديَّة تُستخدم لتحفيز البهائم، والربُّ يقصد أنَّ مقاومة عمله تؤذي الإنسان نفسه، كما يجرح المنخس - المخرز مَن يرفسه.

القدِّيسان بطرس وبولس يعلِّماننا الكثير.

الأوَّل يعلِّمنا أنَّ الحماس وحده، من دون الحكمة والنموِّ، لا يكفي. كما يعلِّمنا ألَّا نيأس عندما نخطئ، بل أن نعود تائبين طالبين رحمة الربِّ، وهو يستجيب. فبكاء بطرس بعد إنكاره ليسوع أصبح بمثابة «جرن معموديَّة» وُلِدَ فيه من جديد. بطرس كان عمودًا أساسيًّا في الكنيسة، بشَّر واستُشهد مصلوبًا ورأسه إلى أسفل، لأنَّه رفض أن يشابه الربَّ في صلبه، لكثرة تواضعه. زرع الكلمة الإلهيَّة في النفوس، سواء بحضوره الشخصيِّ، أو من خلال الرسالتين اللتين كتبهما. مكانته في الكنيسة عظيمة جدًّا، والخدمة الليتورجيَّة للقدِّيسَين بطرس وبولس تُظهر ذلك، فهما هامتا الرسل.

وفي المقابل، نتعلَّم من بولس الشجاعة والمثابرة في البشارة مهما كانت الصعاب. اهتدى في عمر يقارب التاسعة والعشرين، واستُشهد بقطع الرأس عن عمر يناهز الثانية والستِّين. سُجن عدَّة مرَّات، نحو خمس سنوات متفرِّقة، كتب خلالها رسائل شجَّعت وعضدت المؤمنين.

ويشهد الفنُّ الكنسيُّ على مكانتهما منذ القرون الأولى للمسيحيَّة (انظر الصور المرفقة)، وشكلُهما لا يزال ذاته في الأيقونات.

بطرس:

شعره قصير ومجعَّد، أحيانًا رماديٌّ وأحيانًا أبيض، في إشارة إلى كِبَر سنِّه وحكمته. لحيته مشابهة لشعره، مشذَّبة بعناية. وجهه يوحي بالرزانة، وبنيته ممتلئة وقويَّة، ما يعكس صلابته واندفاعه.

ثيابه (χίτων - ἱμάτιον / chiton-himation) تتنوَّع ألوانها بين الأزرق، الأخضر، الذهبيِّ، البرتقاليِّ المائل إلى الأحمر، والبنِّيِّ.

يُصوَّر حاملاً لفيفة، إشارة إلى رسالتَيه وسلطانه الرسوليِّ. أحيانًا يحمل مفتاحين كما قال له الربُّ: «وَأُعْطِيكَ مَفَاتِيحَ مَلَكُوتِ السَّمَاوَات» (متَّى 16: 19).

أقدم أيقونة له محفوظة في دير القدِّيسة كاترينا في سيناء (القرن السادس)، حيث يظهر فيها حاملاً صليبًا، رمزًا لاستشهاده.

بولس الرسول:

نحيف، جبهته عالية، أصلع الرأس، ما يدلُّ على الحكمة والنضج الروحيِّ. لحيته طويلة، مدبَّبة ومروَّسة. وجهه نحيف وبنيته كذلك، ومع ذلك كان شعلة متَّقدة ومتنقِّلة في البشارة. غالبًا ما يُصوَّر بلباس يشبه رداء الفلاسفة، إشارة إلى بلاغته وامتلائه من الحكمة الإلهيَّة. ألوان ثيابه داكنة أو قرمزيَّة، رمزًا لاستشهاده وجدِّيَّته. رسائل بولس غنيَّة جدًّا وتجيب على كلِّ التفتيش الفلسفيِّ في العالم. يُصوَّر حاملاً لفيفة، علامة على رسائله ومكانته كمعلِّم. نظراته مليئة بالجدِّ والعزم والتركيز. كيف لا، وهو الَّذي عبر من الظلمة إلى نور المسيح؟

توجد أيقونتان بارزتان تجمعان الرسولين معًا:

الأولى يُصوَّران فيها حاملين مجسَّم كنيسة، إشارة إلى دورهما التأسيسيِّ (وهي الأقدم). والثانية يُظهرهما متعانقَين، رمزًا للوحدة في الروح. وطبعًا هناك أيقونات متنوِّعة لكلٍّ منهما، سواء منفردَين أو مع التلاميذ.

واللافت أنَّ بولس يُصوَّر في بعض الأيقونات المرتبطة بالصعود الإلهيِّ والعنصرة، رغم أنَّه لم يكن مؤمنًا بعد آنذاك، ولكن بقبوله المسيح، دخل في «اللازمن الخلاصيِّ».

أعطِنا يا ربُّ قوَّة إيمانهما واندفاعهما.

إليك نرفع الطلب.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق