نقدم لكم زوارنا الكرام أهم وآخر المستجدات كما وردت في المقال التالي: سوريا.. مخاوف التعثر الاقتصادي تبدد مكاسب الانفتاح - تليجراف الخليج اليوم الجمعة 4 يوليو 2025 04:03 صباحاً
في الوقت الذي تبدي فيه المؤشرات الاقتصادية الدولية انفتاحاً حذراً تجاه سوريا، تتكشف في الداخل السوري أزمات مركبة تهدد بتقويض المكاسب المحتملة لهذا الانفتاح، لا سيما في القطاع الزراعي، الذي يشكل العمود الفقري للاقتصاد السوري، من حيث التشغيل والإنتاج المحلي.
فبينما يترقب السوريون بوادر تحسن في الظروف المعيشية نتيجة فك بعض القيود الدولية، وعودة نسبية للعلاقات الاقتصادية مع عدد من الدول، تصطدم هذه التطلعات بواقع مناخي واقتصادي قاسٍ، لم تشهده البلاد منذ أكثر من 50 عاماً.
تشهد سوريا موجة جفاف تعد من الأشد في تاريخها الحديث، وهو ما أثر بشكل مباشر على إنتاج المحاصيل الزراعية الأساسية مثل القمح والشعير والخضراوات، فضلاً عن تداعيات كارثية على الثروة الحيوانية، التي باتت تعاني من نقص حاد في الأعلاف وارتفاع في أسعارها، ما دفع مئات من المربين إلى بيع قطعانهم بأسعار بخسة أو التخلي عنها.
ومع تزايد تكلفة الإنتاج الزراعي والحيواني مقابل ضعف القدرة الشرائية، وانخفاض الدعم الحكومي، يجد المنتج السوري نفسه محاصراً بين الخسارة والإفلاس، ما ينعكس بدوره على الأمن الغذائي للبلاد، وعلى الاستقرار الاجتماعي.
وتضرر قرابة 2,5 مليون هكتار تقريباً من المساحات المزروعة بالقمح جراء الظروف المناخية السيئة، وفق ما أفادت منظمة الأغذية والزراعة «فاو» التابعة للأمم المتحدة، ما سيدفع السلطات إلى الاعتماد بشكل متزايد على الاستيراد، بعدما كانت البلاد تحقق اكتفاءها الذاتي من القمح قبل اندلاع النزاع عام 2011، وأثرت تلك الظروف على نحو 75 % من المساحات المزروعة والمراعي الطبيعية للإنتاج الحيواني.
لا تتناسب أسعار السلع الغذائية في السوق المحلية مع تكاليف إنتاجها، ما يشير إلى خلل عميق في بنية التسعير وسلاسل التوريد والدعم الحكومي، فارتفاع أسعار المواد الأساسية، حتى تلك المنتجة محلياً، لا يعكس مستوى الدعم أو الوفرة المفترضين، ويظهر تآكلاً في القدرة الشرائية وغياب أدوات فعالة لضبط السوق.
كل ذلك يجري في ظل بيئة معيشية مثقلة بالأعباء، ما ينذر بموسم اقتصادي وصفه مراقبون بأنه «الأسوأ منذ عقود»، مع ما يحمله من احتمالات اضطراب سياسي واجتماعي. وتتوقع وزارة الزراعة السورية حصاد 300 إلى 350 ألف طن من القمح فقط، بعد أن كان الإنتاج يزيد على مليوني طن في المواسم السابقة، التي لم تكن الأفضل أيضاً.
جمود سياسي
يضاف إلى التحدي الزراعي ما يجري على الصعيد السياسي، إذ تعاني الساحة السورية من حالة جمود في ملفات التسوية، وبشكل خاص في العلاقة بين الحكومة وقوات سوريا الديمقراطية.
فعلى الرغم من مؤشرات حوار إيجابي ومحاولات، لتقريب وجهات النظر بين الطرفين، عادت الخلافات إلى الواجهة بعد حادثة تفجير كنيسة مار إلياس، التي أسفرت عن سقوط ضحايا، وأثارت موجة من التصريحات والاتهامات المتبادلة.
وتأتي هذه التوترات في وقت بالغ الحساسية، حيث تحاول سوريا تثبيت استقرارها الداخلي في ظل تسارع الانفتاح العربي والدولي عليها، ما يعني أن أي انفجار سياسي أو أمني، سواء في الشمال الشرقي أو في مناطق أخرى، قد يعيد البلاد إلى مربع عدم الاستقرار، ويؤثر سلباً على فرص التعافي، كما أن التصعيد بين دمشق و«قسد» يفتح الباب مجدداً لتدخلات، ويعيق أي مسار وطني جامع لإنهاء حالة الانقسام.
تعيش سوريا لحظة مزدوجة التحدي: انفتاح خارجي يبشر بفرص جديدة، يقابله اختناق داخلي على المستويين الاقتصادي والسياسي، فالجفاف وانهيار الزراعة من جهة، والجمود في مسارات الحل السياسي من جهة أخرى يشكلان اختباراً حقيقياً لقدرة الدولة السورية، ومكونات المجتمع السياسي على اجتياز المرحلة الحرجة.
0 تعليق