شيكابالا.. صعد مع النيل واعتلى عرش الزمالك - تليجراف الخليج

0 تعليق ارسل طباعة

نقدم لكم زوارنا الكرام أهم وآخر المستجدات كما وردت في المقال التالي: شيكابالا.. صعد مع النيل واعتلى عرش الزمالك - تليجراف الخليج اليوم الأربعاء 9 يوليو 2025 12:15 صباحاً

على ضفاف النيل في أسوان، جنوب مصر، ينضج قرص الشمس كل يوم على مهلٍ، فوق صفحة النهر الخالد، حيث يهمس التاريخ بلسان أحمد شوقي قائلًا:
مِن أَيِّ عَهدٍ في القُرى تَتَدَفَّقُ..
وَبِأَيِّ كَفٍّ في المَدائِنِ تُغدِقُ..
وَمِنَ السَماءِ نَزَلتَ أَم فُجِّرتَ مِن..
عَليا الجِنانِ جَداوِلاً تَتَرَقرَقُ.
يتدفّق النهر، شريان حياة مصر، في سفر أزلي نحو الشمال، حاملًا معه الزبد والخير.. وفي طريقه إلى القاهرة، ساق ذات ليلة، صبيًا وُلِدَ في أحضانه عام 1986، يُدعى محمود عبد الرازق.
من أخيه الأكبر، الذي كان يلعب لفريق أسوان، وَرِثَ محمود لقب «شيكابالا»، والاسم مقتبس في الأساس من ويبستر شيكابالا، مهاجم دولي زامبي سابق مثّل منتخب بلاده في بطولتي كأس الأمم الإفريقية 1990 و1992.
ومع رحلة سفره برفقة النيل إلى الشمال، ودَّع محمود الأهل، والرفاق، وأيضًا اسمه الأصلي.
عرفوه بشيكابالا، في القاهرة، التي قصدها صبيًا لا يتجاوز عدد أعوام عمره أصابع اليدين، يحمل معه في القطار حقيبة أغراضه.. وحلم العُمر، حلم اللعب بقميص الزمالك.
وعندما حانت اللحظة، في ميت عقبة، معقل الزمالك، تقدم بخطوات هادئة نحو الاختبار الميداني، ومقولة ويل روجرز تطنّ في رأسه: «لا تحصل أبدًا على فرصة ثانية لتكوين الانطباع الأول». وكانت النتيجة مبهرة.. مقبول بالإجماع.
منذ لحظته الأولى في الزمالك، بدا حالة خاصة.. صبي داكن اللون، لا تشبه بشرته كثيرين، نحيل، مجعد الشعر، ذو تقاسيم غير مألوفة لدى أبناء الشمال، والأهم من هذا كله، مهارته الفطرية.. سرعته.. وقدمه اليُسرى التي تقصف بلا تردُّد.
تلك الحالة، أكسبته شهرة غير معتادة في أعمار الناشئين، واستقطب اهتمام الجرائد المصرية، وكثر على صفحاتها الحديث عن فتى صاعد بسرعة الصاروخ، سيكون له مستقبل مبهر.
وبعمر 16 عامًا، ترقَّبته العيون، حين انضمَّ لقائمة فريق الزمالك الأول أمام منافسه غزل المحلة في كأس مصر 2002ـ2003، والجميع يحدوه الشغف لرؤية هذا المدعو شيكابالا.
ولم يكذّب الفتى خبرًا.. نزل شيكا الملعب في الرمق الأخير، ومِنْ لمسته الأولى راوغ كل مَنْ اعترض طريقه، ثمّ أرسل الكرة ساقطة فوق الحارس، لترتد بعد ارتطامها بالعارضة العلوية إلى داخل المرمى، مهدية الفريق بطاقة العبور من مباراة عصيبة استعصت طويلًا على الأهداف.
ووضع هذا الهدف حجر الأساس لتعلق جماهير الزمالك بنجمهما المحبوب. بدأت تتابع خطواته وتنتظر نضوجه. حتى بعدما سافر للاحتراف في باوك اليوناني، وعاد بسبب ظروف التجنيد ووقَّع، على نحو مفاجئ، للغريم التقليدي الأهلي، ابتلع مشجعو الأبيض تصرفه، وتغنوا باسمه من جديد، حين تراجع عن قراره وقرّر العودة إلى الطريق الذي رسمه قلبه منذ البداية.
وتصادفت تلك الفترة، ولسوء حظ شيكابالا، مع نهاية جيل تاريخي للفارس الأبيض بقيادة التوأم حسام وإبراهيم وحسن، وعندئذٍ أصبح على الشاب، وهو للتو وطأ عتبة عشرينياته، مطالبًا بحمل الفريق على كتفيه النحيلتين، وبالنضوج قبل أوانه، لمجابهة خصم أهلاوي متخم بالقوام الأساسي للمنتخب المصري.
اجتهد اللاعب الواعد، لكن الفارق كان أكبر من قدرته على تعويضه، حتى مع وجود أسماء من طينة عمرو زكي ومحمد عبد الشافي ومحمود فتح الله، ظلت الفجوة عميقة، ولم تبد احتمالية كسر السطوة الحمراء ممكنة سوى موسم 2010ـ2011، الذي قدم فيه شيكابالا نسخته الأفضل، وتصدر لائحة الهدافين، لكن وقود الفريق نفد خلال الأمتار الأخيرة.
وباختصار، يمكن تلخيص تلك الأعوام من تاريخ الزمالك بحقبة شيكابالا، سواء داخل الملعب بأهداف سينمائية ومهارات تنوء بحملها ذاكرة «يوتيوب»، أو بتقليد الهتافات الجماعية مع مدرج «التالتة يمين» بعد كل مباراة على ملعب فريقه. أيضًا أسَّست تلك الفترة لعلاقة، على النقيض، متوترة مع جماهير الأهلي التي دأبت على اتهامه باستفزازها والتجاوز ضدها، ولا سيما مدرجها الشهير «التالتة شمال»، في حين ظلّ يصرّ هو وأنصاره على أنه ردّة فعل، وبقي هذا الجدل قائمًا، يطفو ويخفت، حتى لحظة اعتزاله.
ولاحقًا، امتد نطاق ذلك التوتر إلى داخل أسوار ناديه، فلم تخل رحلة شيكابالا من خلافات مع عناصر زملكاوية، مثل المدرب الأسطوري حسن شحاتة، الذي اشتبك معه لفظيًا على الهواء مباشرة أثناء إحدى المباريات القارية عام 2012، ووقتها التمس له عشّاقه العذر بداعي الضغوطات الثقيلة التي تحمّلها منذ صغره.
وقادت تلك الضغوطات اللاعب الأسمر إلى مغادرة ناديه، للمرة الأولى منذ عودته من اليونان 2006، ليخوض تجارب احترافية متتالية مع الوصل الإماراتي، وسبورتينج لشبونة البرتغالي، والإسماعيلي، والرائد، وأبولون سميرني اليوناني، تخللتها عودات مؤقتة للزمالك، قبل الاستقرار في صفوفه مجددًا، بدءًا من 2019، وإلى غاية إعلانه الاعتزال الخميس الماضي.
وخلال أعوامه الستة الأخيرة مع الزمالك، لم يكن شيكابالا، خلافًا لبداياته، المكَّلف وحده بعبء ترجيح كفة الفريق، وإنما عنصر يملك الخبرة وروح القيادة، فساقاه المنهكتان لم تعدا تطاوعانه كما في أيام المجد الأولى، لكن حضوره ظل ثابتًا، ومؤثرًا، بينما تسلّم أحمد سيد «زيزو» مشعل النجومية نيابة عنه.
ومن أبرز ومضاته في تلك الأعوام، هدفه المثير أمام الأهلي، خلال ما سُمِّي إعلاميًا وجماهيريًا «نهائي القرن» بين قطبي الكرة المصرية على لقب دوري أبطال إفريقيا 2020. ولولا فوز الأهلي بذلك اللقاء لوضع ذلك الهدف درة التاج على مسيرة قائد القلعة البيضاء.
وفي النهاية، اختار شيكابالا، أو «الأباتشي» كما يحلو لعشّاقه، توقيت الاعتزال، بعد أيام من تسديده ركلة الترجيح الحاسمة للقب كأس مصر 2025 أمام بيراميدز، وودَّع الملاعب وداخل دفاتره 18 بطولة تضعه على رأس المتوجين بقميص الزمالك تاريخيًا.

نشكركم على القراءة، ونتطلع لمشاركتكم في مقالاتنا القادمة للحصول على أحدث الأخبار والمستجدات الرياضية.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق