ماذا يعني إصدار البنك المركزي في صنعاء عملة... - تليجراف الخليج

0 تعليق ارسل طباعة

نقدم لكم زوارنا الكرام أهم وآخر المستجدات كما وردت في المقال التالي: ماذا يعني إصدار البنك المركزي في صنعاء عملة... - تليجراف الخليج اليوم السبت 12 يوليو 2025 09:43 مساءً

أصدر البنك المركزي في صنعاء، الخاضع لسيطرة جماعة الحوثي، عملة معدنية جديدة من فئة 50 ريالاً في خطوة إضافية في سياق الإجراءات الاقتصادية المثيرة للجدل التي اتخذتها الجماعة منذ سيطرتها على العاصمة في 2014. هذا الإصدار، الذي يأتي بعد إصدار عملة معدنية من فئة 100 ريال في مارس 2024، يهدف ظاهرياً إلى معالجة مشكلة الأوراق النقدية التالفة وتحسين جودة النقد المتداول. ومع ذلك، فإن لهذا الإجراء تداعيات اقتصادية وسياسية عميقة قد تعزز الانقسام النقدي في اليمن وتؤثر سلباً على الاقتصاد الوطني.

فيما يلي يقدم "تليجراف الخليج" تحليلًا اقتصاديًا للقرار وانعكاساته:

التحليل الاقتصادي للقرار

1. الهدف المعلن: معالجة الأوراق النقدية التالفة
البنك المركزي في صنعاء يبرر إصدار العملة المعدنية الجديدة كحل لمشكلة الأوراق النقدية التالفة من فئة 50 ريالاً، التي أصبحت غير صالحة للتداول في المناطق الخاضعة لسيطرته. هذا التبرير له أساس اقتصادي، حيث إن تدهور الأوراق النقدية يعيق المعاملات اليومية ويؤثر على ثقة المواطنين في العملة. العملات المعدنية، بطبيعتها، أكثر متانة وطول عمر مقارنة بالأوراق النقدية، مما يجعلها خياراً عملياً لتداول الفئات الصغيرة.

2. عدم التأثير المباشر على الكتلة النقدية
أكد البنك أن العملة الجديدة ستكون بديلاً مباشراً للأوراق التالفة دون زيادة في الكتلة النقدية، مما يعني نظرياً أنها لن تؤثر على أسعار الصرف أو التضخم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين. هذا الادعاء يتماشى مع استراتيجية الحفاظ على الاستقرار الوهمي لسعر الصرف في تلك المناطق، حيث يتم تداول الريال اليمني بحوالي 530 ريالاً للدولار الواحد، مقارنة بأكثر من 2800 ريال في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة المعترف بها دولياً في عدن.

3. المواصفات الفنية والأمنية
ذكر البنك أن العملة المعدنية الجديدة تم تصميمها وفق أعلى المواصفات الفنية والأمنية العالمية، مع تصميم يعكس التراث اليمني (مثل إدراج صورة مسجد العيدروس في عدن). هذا قد يساهم في تعزيز قبول العملة محلياً في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، لكنه لا يضمن قبولها في المناطق الأخرى.

الانعكاسات على الوضع الاقتصادي والانقسام النقدي

1. تعميق الانقسام النقدي
إصدار عملة معدنية جديدة يعزز الانقسام النقدي القائم بين المناطق التي تسيطر عليها الحكومة المعترف بها دولياً في عدن والمناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين في صنعاء. منذ نقل مقر البنك المركزي إلى عدن في 2016، والحوثيين يمنعون تداول الأوراق النقدية الجديدة الصادرة عن عدن، مما أدى إلى وجود نظامين نقديين متوازيين:
- في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون، يتم استخدام الأوراق النقدية القديمة (ما قبل 2017)، مع استقرار نسبي وهمي في سعر الصرف.
- في المناطق الحكومية، تسبب الطباعة المستمرة للأوراق النقدية الجديدة دون غطاء مالي كافٍ في انخفاض حاد في قيمة الريال، حيث تجاوز سعر الصرف اليوم السبت 12 يوليو 2025، مبلغ 2800 ريال للدولار الواحد.

هذا الإصدار الجديد يعزز محاولات الحوثيين إنشاء نظام اقتصادي مستقل، مما يزيد من تعقيد الوضع الاقتصادي ويعيق جهود توحيد العملة الوطنية.

2. التأثير على القطاع المصرفي
قرار إصدار العملة المعدنية دون التنسيق مع البنك المركزي في عدن يُعتبر تصعيداً اقتصادياً، وقد أثار انتقادات دولية ومحلية، كما حدث مع إصدار عملة الـ100 ريال في 2024، والتي وصفتها الحكومة في عدن ودول مثل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بـ"العملة المزيفة". هذا الإجراء قد يؤدي إلى مزيد من القيود على البنوك في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون، خاصة بعد قرار البنك المركزي في عدن بنقل مقرات البنوك من صنعاء إلى عدن، مما قد يهدد بقطع الاتصال مع نظام سويفت ويزيد من عزلة النظام المصرفي في مناطق الحوثيين.

3. التداعيات على المواطنين
الانقسام النقدي يفاقم معاناة المواطنين اليمنيين، حيث يواجهون تحديات كبيرة في التعاملات المالية بين المناطق. على سبيل المثال، تحويل الأموال من المناطق الحكومية إلى مناطق الحوثيين قد يكلف رسوماً تصل إلى 70% من المبلغ بسبب الفروقات في أسعار الصرف. بالإضافة إلى ذلك، فإن القيود على سحب الودائع في مناطق الحوثيين (مثل الحد الأقصى 100 ألف ريال شهرياً) تزيد من صعوبة الوصول إلى الأموال، مما يؤثر على القدرة الشرائية ويزيد من الاعتماد على المساعدات الإنسانية.

4. التأثير على السلام والاستقرار الاقتصادي
إصدار عملة جديدة دون موافقة السلطات المعترف بها دولياً يُعتبر تحدياً لجهود السلام، حيث يعزز من الانقسام السياسي والاقتصادي. خبراء اقتصاديون، يرون أن مثل هذه الإجراءات تؤدي إلى تعميق الصراع المصرفي وتعرقل جهود الوساطة لإنهاء الصراع العسكري المستمر منذ عقد. كما أن هذه الخطوة قد تُستغل دولياً لتبرير فرض عقوبات إضافية على الحوثيين، مما قد يؤدي إلى مزيد من العزلة الاقتصادية للمناطق التي يسيطرون عليها.

التقييم العام

من الناحية الفنية، إصدار عملة معدنية جديدة قد يكون حلاً عملياً لمشكلة الأوراق التالفة في مناطق الحوثيين، خاصة مع استقرار سعر الصرف النسبي في تلك المناطق. ومع ذلك، فإن الإجراء يحمل أبعاداً سياسية واقتصادية تتجاوز الهدف المعلن. يعزز هذا القرار الانقسام النقدي والاقتصادي في اليمن، ويزيد من تعقيد التعاملات المالية بين المناطق، ويؤثر سلباً على المواطنين الذين يعانون أصلاً من أزمة إنسانية حادة، حيث يحتاج أكثر من نصف السكان إلى مساعدات إنسانية وفقاً لبيانات الأمم المتحدة.

على المدى الطويل، فإن استمرار مثل هذه الإجراءات الأحادية يهدد بإنشاء اقتصادين متوازيين في اليمن، مما يعيق جهود إعادة توحيد النظام المصرفي واستعادة استقرار الريال اليمني. الحلول المستدامة تتطلب تنسيقاً بين السلطات اليمنية المعترف بها دوليا في عدن، ومليشيا الانقلاب الحوثية بصنعاء، مع دعم دولي لإعادة توحيد السياسة النقدية واستعادة تصدير النفط والغاز لتعزيز الإيرادات الحكومية. بدون هذه الخطوات، فإن إصدار عملات جديدة قد يظل مجرد إجراء مؤقت يخفف من أزمة الأوراق التالفة، لكنه يعمق الانقسام ويفاقم التحديات الاقتصادية.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق