حكم الروبوت أم حكمة الإنسان؛ مستقبل القضاء.. بشري أم رقمي؟ 2-2 - تليجراف الخليج

0 تعليق ارسل طباعة

نقدم لكم زوارنا الكرام أهم وآخر المستجدات كما وردت في المقال التالي: حكم الروبوت أم حكمة الإنسان؛ مستقبل القضاء.. بشري أم رقمي؟ 2-2 - تليجراف الخليج اليوم الخميس الموافق 17 يوليو 2025 03:41 مساءً

 في عصر تتسارع فيه وتيرة التحول الرقمي، وتطرق تقنيات الذكاء الاصطناعي أبواب كل القطاعات، يبرز سؤال حيوي: كيف يمكننا تسخير هذه القوة التحويلية لمزيد من التقدم في نظامنا القضائي والقانوني، مع ضمان الحفاظ على مبادئ العدالة والنزاهة؟ إن التطورات العالمية، بدءًا من مبادرة الإمارات الرائدة في صياغة التشريعات بالذكاء الاصطناعي، وصولاً إلى التحذيرات القضائية في المملكة المتحدة وسنغافورة بشأن الاستخدام غير المسؤول لهذه التقنيات، ترسم ملامح مستقبل يتطلب من الأردن صياغة ضوابط قانونية واضحة تضمن الاستفادة المثلى من الذكاء الاصطناعي مع درء مخاطره.

فدولة الإمارات العربية المتحدة قامت بإطلاق أول منظومة تشريعية ذكية متكاملة تعتمد على الذكاء الاصطناعي. هذه الخطوة الجريئة لا تهدف فقط إلى تسريع دورة إصدار التشريعات بنسبة تصل إلى 70%، بل تسعى لتأسيس نموذج حوكمة يزاوج بين الذكاء البشري وكفاءة الذكاء الاصطناعي. هذا التوجه الطموح يعكس رؤية مستقبلية لاستخدام الذكاء الاصطناعي ليس فقط كأداة مساعدة، بل كشريك فاعل في عملية الصياغة القانونية، مما يفتح آفاقاً واسعة لتعزيز كفاءة النظام القضائي وجذب الاستثمارات وتطوير بيئة تشريعية مرنة.

في المقابل، شهدت المحاكم البريطانية تحذيراً صارماً بشأن استخدام الاستشهادات القانونية المزيفة التي يولدها الذكاء الاصطناعي، مع إشارة واضحة إلى فرض عقوبات قاسية على المخالفين. وتُعد هذه الحادثة "دعوة للاستيقاظ" لجميع القانونيين، مؤكدة الأهمية القصوى لـ "العناية الواجبة" والتحقق من كل مخرجات الذكاء الاصطناعي، حيث أن لوم الخوارزمية لن ينقذ حياتك المهنية أو قضية عميلك. هذا يؤكد المبدأ الأساسي للمساءلة البشرية في عالم معزز بالذكاء الاصطناعي. فتجاوز خطوط الدقة والموضوعية والحيادية يهدد سمعة القانونيين ويقوض مصداقية الأنظمة القضائية التي بنيت على الثقة والتدقيق.

وتجسيداً لهذا التوازن الدقيق، أصدرت المحكمة العليا في سنغافورة في 23 سبتمبر 2024 دليلاً إرشادياً رائداً للمحامين والمتقاضين حول استخدام الذكاء الاصطناعي أمام المحاكم. وهذا الدليل، الذي دخل حيز التنفيذ، يؤكد أن استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي مسموح به، ولكن مع التزام كامل بالمتطلبات القانونية والأخلاقية. ويشدد الدليل على أن المستخدم يتحمل المسؤولية الكاملة عن أي محتوى يتم تقديمه، بما في ذلك التأكد من صحة المعلومات، ودقتها، وعدم تحيزها. كما يمنع الدليل استخدام الذكاء الاصطناعي لإنشاء أو تزييف الأدلة، ويحظر مشاركة المعلومات الشخصية أو السرية التي يمكن أن تخزنها هذه الأدوات. هذه المبادئ، تضع الإنسان في محور عملية المراجعة والتصديق، وتمثل نموذجاً يحتذى به للأردن.

ولذلك فيتوجب على الأردن، ان يمتلك إطاراً قانونياً متطوراً واستراتيجية للذكاء الاصطناعي، فهي فرصة ليكون رائداً في هذا المجال على المستوى الإقليمي. وهذا يتطلب وضع ضوابط قانونية وتنظيمية محددة تضمن الاستخدام الآمن والمسؤول للذكاء الاصطناعي في المجال القانوني والقضائي. وبناء على ذلك نقترح هنا عدداً من التوصيات الأساسية: اولاها تطوير إطار قانوني خاص بالتصديق على مخرجات الذكاء الاصطناعي فيتوجب على السلطات الأردنية تبني مفهوم "التصديق" (Ratification) بحيث لا يتم اعتماد النصوص القانونية أو المستندات القضائية المولدة بواسطة الذكاء الاصطناعي إلا بعد مراجعتها وتصديقها من قبل مختصين بشريين (محامين، قضاة، مشرعين) يتحملون المسؤولية القانونية الكاملة عنها.

وثانيا لا بد من وجود جهة رقابية متخصصة للأشراف على أنظمة الذكاء الاصطناعي المستخدمة في الأنظمة القانونية والقضائية تكون مهمتها وضع المعايير، وإصدار التراخيص، ومتابعة الالتزام بالضوابط الأخلاقية والقانونية. يمكن لهذه الهيئة أيضاً أن تكون مرجعاً للتحقيق في أي انتهاكات أو أخطاء ناتجة عن استخدام الذكاء الاصطناعي.

وثالثاً فلا بد من وضع معايير صارمة لجودة البيانات والشفافية فمن الواجب تطوير إرشادات واضحة لضمان أن البيانات المستخدمة لتدريب نماذج الذكاء الاصطناعي خالية من التحيز، ودقيقة، ومحدثة. كما يجب المطالبة بشفافية أكبر في عمل خوارزميات الذكاء الاصطناعي، قدر الإمكان، لتجنب مشكلة "الصندوق الأسود" وضمان فهم كيفية توصل هذه الأنظمة إلى استنتاجاتها.

ورابعا ولضمان تحقيق الاستفادة المثلى من هذه الأنظمة فلا بد من برمج تدريب وتأهيل متخصصة وهذا يتطلب هذا التحول إعداد الكوادر القانونية والقضائية للتعامل مع هذه التقنيات الجديدة. فيجب تصميم برامج تدريبية متخصصة تركز على فهم آليات عمل الذكاء الاصطناعي، وكيفية التحقق من مخرجاته، وتحديد المخاطر المحتملة، وكيفية التعامل مع "المستشار التشريعي الرقمي" بفاعلية.

وأخيرا وليس اخرا فيجب تعزيز التعاون الدولي وتبادل الخبرات فحتى يستفيد الأردن من التجارب الدولية، مثل تجربة الإمارات وسنغافورة، فمن المفضل ان يشارك بفاعلية في المنتديات الدولية المعنية بوضع معايير أخلاقيات الذكاء الاصطناعي في القانون. فهذا التعاون سيساهم في بناء إطار قانوني وطني متوافق مع أفضل الممارسات العالمية.

إن تبني الذكاء الاصطناعي في النظام القانوني الأردني ليس مجرد خيار تكنولوجي، بل هو ضرورة استراتيجية لمواكبة التطورات العالمية وتحقيق عدالة أكثر كفاءة وسرعة. ولكن هذا التقدم يجب أن يتم بحذر ومسؤولية. فالمستقبل سيكون لمن يدرك أن الذكاء الاصطناعي في التشريعات والقضاء ليس بديلاً عن الحكمة الإنسانية والنزاهة المهنية، بل هو "عدسة مكبرة" تكشف لنا ثغرات وفرص لم نكن لنراها من قبل. وهذا يضمن أن يظل التشريع عملاً إنسانياً في جوهره، حتى لو استعان بأدوات غير بشرية. فهل نحن مستعدون لكسر الحواجز وبناء جسور بين حكمة القانون وذكاء المستقبل؟


نشكركم على القراءة، ونتطلع لمشاركتكم في مقالاتنا القادمة للحصول على أحدث الأخبار والمستجدات.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق