نقدم لكم زوارنا الكرام أهم وآخر المستجدات كما وردت في المقال التالي: إعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية: استرداد الوطن المعنوي (3/5) - تليجراف الخليج اليوم الاثنين الموافق 21 يوليو 2025 01:35 مساءً
*المجلس الوطني الفلسطيني: برلمان الفلسطينيين في الوطن والشتات
بقلم: فايز محمد أبو شمالة في الجزء الأول من هذه السلسلة، تناولنا تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية عام 1964، ومراحل صعودها من إطار رسمي عربي إلى مشروع تحرري وطني مستقل تقوده الفصائل المسلحة، وصولًا إلى الاعتراف العربي والدولي بها كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني. وفي الجزء الثاني، استعرضنا بناء "الوطن المعنوي” للفلسطينيين في المنافي، من خلال مؤسسات شعبية وثقافية واجتماعية شكّلت شبكة واسعة دعمت صمود الفلسطينيين وعبّرت عن هويتهم الوطنية. بعد هذا البناء المؤسسي والاجتماعي، جاءت ذروة هذا المسار في المجلس الوطني الفلسطيني، بوصفه أعلى هيئة تمثيلية في منظمة التحرير، وإطارًا جامعًا للفلسطينيين في الوطن والشتات، وأساسًا لترسيخ السيادة الوطنية الرمزية.
النشأة والتحولات التمثيلية تأسس المجلس الوطني الفلسطيني عام 1964 خلال المؤتمر الفلسطيني الأول في القدس، والذي جمع ممثلين عن فلسطينيي الداخل والشتات واللاجئين، ليشكل إطارًا تمثيليًا جامعًا في ظل غياب الدولة الفلسطينية.
وكان اختيار القدس لانعقاد الدورة الأولى ذا دلالة سياسية ورمزية، باعتبارها القلب التاريخي لفلسطين. في دورته الأولى، أقرّ المجلس الميثاق القومي الفلسطيني لعام 1964، إلى جانب النظام الأساسي لمنظمة التحرير، الذي حدّد هيكليتها الأساسية،
بما في ذلك: المجلس الوطني نفسه، واللجنة التنفيذية، والصندوق القومي الفلسطيني.
أما المجلس المركزي، فقد أُنشئ لاحقًا عام 1973، ليكون حلقة وصل بين المجلس الوطني واللجنة التنفيذية، ويضطلع بمهام إشرافية في فترات غياب المجلس. شكل المؤتمر الوطني الفلسطيني الخامس لعام 1969 نقطة انطلاق حاسمة في إعادة هيكلة منظمة التحرير الفلسطينية، حيث انتقلت زمام القيادة إلى الفصائل الفلسطينية المسلحة، وعلى رأسها حركة ‘فتح’.
وقد بدأ المجلس الوطني في هذه المرحلة بالتحول التدريجي من تمثيل شخصيات مستقلة أو رمزية إلى تمثيل تنظيمي يعكس موازين القوى الفعلية بين الفصائل، والتي أصبحت تُعبَّر عن نفسها بصفتها الاعتبارية داخل المجلس. وقد أسهم هذا التحول في إعادة تشكيل المجلس الوطني بما يتلاءم مع المتغيرات السياسية التي شهدها المشهد الفلسطيني، مؤكداً بذلك هيمنة حركة ‘فتح’ كأكبر الفصائل وأكثرها تأثيراً، مع تعزيز دورها المركزي في اللجنة التنفيذية.
وبذلك، أصبح مجلس المنظمة هيئة وطنية شاملة تجمع تحت مظلتها ممثلين عن الفصائل والاتحادات والنقابات والجاليات، فضلاً عن الشخصيات الوطنية المستقلة، لتتحول تدريجياً إلى برلمان وطني في المنفى. وتوالت المؤتمرات اللاحقة، ولا سيما المؤتمرين السادس والسابع، التي عقدت في فترات متقاربة بين عامي 1969 و1970، لترسيخ هذا التحول التنظيمي، حتى بلغ التمثيل الفصائلي ذروته في اللجنة التنفيذية التي أصبحت تضم ممثلين عن أبرز الفصائل الفلسطينية في تلك المرحلة،
وهي: حركة التحرير الوطني الفلسطيني – فتح، الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، الجبهة الشعبية – القيادة العامة، جبهة النضال الشعبي، طلائع حرب التحرير الشعبية – الصاعقة، وجبهة التحرير العربية، هذا التمثيل يعكس التعددية السياسية والفصائلية التي سادت في أول قيادة تنفيذية تمثيلية لمنظمة التحرير عقب هذا التحول التنظيمي. الهيكل والدور التمثيلي داخل منظمة التحرير .
تتكوّن منظمة التحرير الفلسطينية من أربع هيئات رئيسية: المجلس الوطني الفلسطيني: هو أعلى سلطة تشريعية في منظمة التحرير، يضع السياسات العامة، وينتخب اللجنة التنفيذية والمجلس المركزي، ويعكس طيفًا واسعًا من التمثيل الوطني.
اللجنة التنفيذية: تُنتخب من داخل المجلس الوطني، وتُعد القيادة الدائمة للمنظمة. تشرف على تنفيذ قرارات المجلس، وتمثل المنظمة سياسيًا وإداريًا على المستويين المحلي والدولي.
المجلس المركزي: تأسس عام 1973 ليعمل كهيئة تشريعية مصغّرة بين دورات المجلس الوطني، ويتولى مهامه في حال تعذّر انعقاده، ويضم أعضاء من الهيئات المختلفة.
الصندوق القومي الفلسطيني: هو الجهاز المالي لمنظمة التحرير، يتولى جمع الموارد وتوزيعها على مؤسسات المنظمة، ويدعم برامجها السياسية والاجتماعية والإنسانية. التوازنات التمثيلية داخل المجلس يُعدّ المجلس الوطني الفلسطيني الهيئة التمثيلية الأعلى في منظمة التحرير، وقد شكّل، عبر عقود المنفى، نقطة ارتكاز سياسية ومؤسسية للفلسطينيين في الداخل والخارج.
وعلى خلاف الصورة النمطية، فإن تمثيل الفصائل داخل المجلس لا يتجاوز 20% من إجمالي الأعضاء، بحسب تقديرات غير رسمية وقابلة للتغيير.
فحركة فتح، باعتبارها الفصيل الأكبر، تحظى بنحو 49 مقعدًا، تليها الجبهة الشعبية بـ27، ثم الجبهة الديمقراطية بـ17 مقعدًا، فيما تتوزع باقي المقاعد على الفصائل الأخرى، التي تشغل عددًا أقل من المقاعد.
في المقابل، تتمتع بعض الاتحادات الشعبية بتمثيل واسع يتجاوز معظم الفصائل مجتمعة، مثل "اتحاد المرأة الفلسطينية” الذي يشغل أكثر من 25 مقعدًا، و”الاتحاد العام لعمال فلسطين” بعدد مشابه، ما يعكس الطابع المتعدد للمجلس، ويكرّس حضوره كمؤسسة وطنية شاملة تتجاوز الاصطفافات الفصائلية.
يُنتخب أعضاء المجلس بآليات متنوعة، تشمل ممثلين عن اتحادات مهنية وشعبية، إلى جانب شخصيات مستقلة، قد تكون لها خلفيات سياسية دون ارتباط تنظيمي مباشر.
وبهذا يتجلّى تنوّع المجلس كهيئة تمثيلية تعكس النسيج الفلسطيني داخل الأرض المحتلة وفي الشتات. تراجع دور المجلس والتحديات البنيوية منذ تأسيسه عام 1964 وحتى 1996، عقد المجلس الوطني 21 دورة، لكنها توزعت بشكل غير منتظم يعكس طبيعة المتغيرات السياسية والتنظيمية. فبين عامي 1964 و1974، عُقدت 12 دورة، بمعدل أكثر من دورة سنويًا، ما عكس ديناميكية سياسية وسعيًا دائمًا نحو ترسيخ الشرعية. أما في الفترة ما بين 1975 و1984، فانعقد المجلس خمس مرات فقط، بمعدل دورة كل عامين تقريبًا. ومن 1985 وحتى 1996، لم تُعقد سوى دورة واحدة، ما يُظهر تراجعًا حادًا في انتظام الانعقاد.
ثم توقّف المجلس نحو عقدين، باستثناء دورات محدودة، أبرزها دورة غزة عام 1996، ثم دورة رام الله عام 2018، والتي جرت وسط انقسام سياسي وجدال تنظيمي حاد. يعزى هذا التراجع إلى عوامل عديدة، أبرزها تعقيد المشهد السياسي الفلسطيني، واتساع رقعة الانقسام الداخلي، إلى جانب بروز السلطة الفلسطينية بعد اتفاق أوسلو كمركز لاتخاذ القرار، ما أضعف دور مؤسسات المنظمة عمومًا والمجلس الوطني بشكل خاص.
ومع أن دور المجلس شهد تراجعًا واضحًا، فإنه لا يزال يحمل رمزية التمثيل الوطني الشامل، ويجسّد طموح الفلسطينيين في بناء مؤسسة جامعة تعكس إرادتهم السياسية داخل الوطن وخارجه. وسيكون تقييم دور المجلس بعد أوسلو محوريًا في الجزء التالي من هذه السلسلة، لفهم التحديات العميقة التي تعترض إعادة بناء منظمة التحرير واستعادة تمثيل
نشكركم على القراءة، ونتطلع لمشاركتكم في مقالاتنا القادمة للحصول على أحدث الأخبار والمستجدات.
0 تعليق