نقدم لكم زوارنا الكرام أهم وآخر المستجدات كما وردت في المقال التالي: حرب خفية تحت السطح: البحر الأحمر يتحول إلى... - تليجراف الخليج اليوم الخميس 24 يوليو 2025 01:49 صباحاً
في تطور أمني مقلق يُضاف إلى سلسلة التحديات التي تواجه الممرات البحرية الحيوية، كشفت شركة "مارلينك" العالمية، الرائدة في مجال اتصالات الملاحة البحرية، عن موجة غير مسبوقة من الهجمات الإلكترونية تستهدف أنظمة تحديد المواقع (GPS) على متن السفن التجارية العابرة للبحر الأحمر. يأتي هذا التصعيد في ظل تفاقم التوترات الأمنية في المنطقة، مع استمرار المليشيا الحوثية في شن هجمات متنوّعة على الممرات البحرية، ما يحوّل البحر الأحمر تدريجياً إلى ساحة صراع متعدّد الأبعاد، لا يقتصر على الصواريخ والطائرات المسيرة، بل يمتد إلى الفضاء السيبراني.
وأكد تور مورتن أولسن ، رئيس قطاع الملاحة في شركة "مارلينك"، أن الوضع وصل إلى مستوى "مقلق للغاية"، مشيرًا إلى قفزة صادمة في عدد السفن التي أبلغت عن أعطال وتداخلات في أنظمتها الملاحية. وأشار إلى أن مركز الدعم الفني للشركة تلقّى، في يوم واحد فقط خلال يوليو الجاري، بلاغات من أكثر من 150 سفينة حول تشويشات حادة في أنظمة الملاحة، مقارنةً بمتوسط بلاغ واحد كل أسبوعين خلال العام الماضي. هذه الأرقام، بحسب أولسن، "تُشير إلى تصاعد سريع في الهجمات الموجّهة، وتشكل إنذارًا أحمر لصناعة النقل البحري عالميًا".
هجمات رقمية "تعيد رسم الواقع"
وأوضح أولسن أن الهجمات لم تعد تقتصر على مجرد تشويش الإشارات، بل انتقلت إلى مستوى أكثر تطورًا وتدميرًا، حيث يتم "إعادة توجيه السفن رقميًا" إلى مواقع وهمية عبر ما يُعرف بظاهرة "الانتحال الإلكتروني" (Spoofing) . وفي حالات عديدة، بدأت أنظمة الملاحة تُظهر أن السفن تسير بسرعات فائقة تصل إلى مئات الكيلومترات في الساعة، أو تدور في دوائر متكررة دون تقدّم، بل وتظهر أحيانًا وكأنها تسير على اليابسة، داخل المدن أو الجبال.
ووصف أولسن هذه الظاهرة بـ"التشويش الرقمي الخبيث"، موضحًا أن "ما يحدث ليس مجرد عطل تقني، بل هجوم منظم يهدف إلى زعزعة الثقة في الأنظمة الحيوية، وإرباك طواقم السفن، وربما دفعها إلى اتخاذ قرارات خاطئة في لحظات حرجة".
استهداف أنظمة السلامة: خطر داهم
الأمر الأكثر إثارة للقلق، بحسب "مارلينك"، هو أن هذه الهجمات تطال الآن أنظمة السلامة البحرية الأساسية، مثل نظام الإنذار والاستجابة للحوادث البحرية (GMDSS) ، الذي يُعد الشريان الرئيسي للتواصل في حالات الطوارئ. وبحسب التقارير، فإن بعض السفن المتضررة فقدت القدرة على إرسال نداءات الاستغاثة أو استقبال رسائل الطوارئ، ما يجعلها "عُرضة للخطر الشديد" في بحرٍ باتت فيه التهديدات المادية والرقمية تتداخل بشكل خطير.
"السفن التي تفقد GPS قد تفقد بوصلتها، لكن السفن التي تفقد GMDSS تكون في عزلة تامة – لا تستطيع طلب المساعدة، ولا تتلقى التحذيرات، ولا تُرى على شاشات الرقابة البحرية"، حسب تعبير أولسن.
البحر الأحمر: ساحة حرب سيبرانية ناشئة
تأتي هذه الهجمات في سياق تصاعد مستمر في الأعمال العدائية في البحر الأحمر، حيث تواصل المليشيا الحوثية تنفيذ هجمات بالطائرات المسيرة والصواريخ الباليستية، وتُشتبه في مسؤوليتها عن زراعة ألغام بحرية، وتنفيذ عمليات تشويش إلكتروني منسّقة. وتشير تقارير أمنية إلى أن هذه الجماعة قد تكون تتلقى دعمًا تقنيًا من جهات إقليمية، ما يُعزز قدرتها على شن هجمات متقدمة في المجال السيبراني.
وقد بدأ هذا التصعيد في التأثير المباشر على حركة التجارة العالمية، مع تحويل العديد من الشركات الشحن الكبرى مساراتها حول رأس الرجاء الصالح، ما يزيد من تكاليف النقل ويُبطئ إمدادات السلع الحيوية.
تحذيرات وحلول تقنية طارئة
في ظل هذا الوضع المتأزم، حذّرت "مارلينك" جميع السفن العابرة للبحر الأحمر من الاعتماد الكلي على نظام GPS، ودعت إلى استخدام أنظمة تحديد مواقع بديلة مثل النظام الروسي غلوناس ، والنظام الأوروبي غاليليو ، والنظام الصيني بيدو ، لتقديم مرجعيات متعددة للتحقق من الموقع الحقيقي.
كما كشفت الشركة عن تطوير حلول تقنية متقدمة في مركزها الرئيسي بالنرويج، تهدف إلى رصد مصدر الإشارات المزيفة بدقة ، وتمكين السفن من كشف الهجمات السيبرانية قبل وقوعها. وتتضمن هذه الحلول تقنيات استشعار متقدمة وذكاءً اصطناعيًا قادرًا على تمييز الإشارات الطبيعية عن تلك التي تُبث بهدف التضليل.
"حرب صامتة" تهدد البوصلة البحرية
في ختام تصريحه، وجه تور مورتن أولسن تحذيرًا شديد اللهجة:
"ما يحدث في البحر الأحمر اليوم ليس مجرد تشويش تقني، بل هو حرب سيبرانية صامتة تُشن ضد الملاحة الدولية. هذه الحرب لا تُسمع انفجاراتها، ولا تُرى طائراتها، لكن تأثيرها قد يكون أخطر من أي هجوم مادي. إذا لم يتم اتخاذ إجراءات عاجلة على المستويين التقني والسياسي، فإننا نسير نحو لحظة قد تفقد فيها السفن بوصلتها تمامًا – ليس فقط في المكان، بل في الزمان أيضًا".
دعوة للعمل الجماعي
تدعو "مارلينك" إلى تضافر الجهود بين الحكومات، والمنظمات البحرية الدولية، وشركات التكنولوجيا، لوضع معايير أمنية جديدة، وتطوير أنظمة ملاحة مقاومة للتشويش، وفرض رقابة صارمة على التهديدات السيبرانية في البحار. ففي عصر يُصبح فيه الهجوم "غير مرئي"، لم يعد حماية السفن مسؤولية تقنية فحسب، بل باتت مسألة أمن قومي واقتصادي عالمي.
البحر الأحمر، الممر الاستراتيجي الذي يربط آسيا بأوروبا، لم يعد فقط مهددًا بالألغام والصواريخ، بل بات ساحة معركة رقمية، حيث تُختَطف السفن قبل أن تُستهدف، وتُفقد البوصلة قبل أن تُكسر الدفة.
0 تعليق