نقدم لكم زوارنا الكرام أهم وآخر المستجدات كما وردت في المقال التالي: ما بين "غودو" و"ترامب": لا أهلاً ولا سهلاً! #عاجل - تليجراف الخليج اليوم السبت الموافق 10 مايو 2025 09:37 صباحاً
كتب: كمال ميرزا
للأسف، مرّة أخرى يسقط الإعلام العربيّ في الامتحان، وينساق وراء "البهورة" الكبيرة التي يختلقها الإعلام الأمريكيّ تمهيداً لزيارة "دونالد ترامب" المرتقبة لبعض دول المنطقة.
وكأنّ "غودو" قد قرر أخيراً أن يحضر!
وكأنّ "زيوس" قد قرّر أن ينزل من عليائه في قمة "الأوليمب"، وأن يباشر بنفسه حلّ مشاكل "البشر الفانين" وتصريف شؤونهم وعدم ترك المسألة لصغار الآلهة!
وكأنّ "بابا نويل" قادم وفي جعبته الهدايا والمكافآت.
ومن طرفنا نحن العرب والمسلمين، وكأنّ "المهدي المُنتظر" قادم جالباً معه الفَرَج!
البهورة الإعلاميّة هدفها إضفاء زخم، وحِسّ استباقيّ بالإنجاز، وإسباغ "شرعيّة" على "الغايات" و"المُخرجات" المتوخاة من هذه الزيارة، و"المكتسبات" التي سيحاول "السيد الأبيض" ابتزازها من مضيفيه، والتي ستتمحور غالباً حول:
ـ السلب المباشر و"على عينك يا تاجر" للفائض/ النقود كما حدث في مرّات سابقة.
ـ السلب غير المباشر للفائض/ النقود بذريعة عقد صفقات (بوجه خاص صفقات الأسلحة والأمن والحماية)، وإقامة استثمارات (داخل أمريكا طبعاً لتحريك السوق الأمريكيّة وخلق فرص العمل هناك)، وتوقيع اتفاقيّات (على شاكلة الابتزاز الأمريكي لأوكرانيا من أجل توقيع اتفاقيّة المعادن النادرة).
ـ الدفع باتجاه المرحلة التالية أو المستوى التالي من التطبيع والصهينة استكمالاً لترتيبات "صفقة القرن"، و"السلام الاقتصاديّ"، و"الاتفاقيّات الإبراهيميّة".
ـ المزيد من حشد العرب وراء مساعي تصفية القضيّة الفلسطينيّة وفصائل المقاومة ومجمل محور الممانعة، ودفعهم لتبنّي قرارات وإجراءات أكثر "جرأةً" و"صراحةً" و"علانيةً" بهذا الخصوص!
ـ عسكريّاً، السير قُدُماً في مشروع ما يُسمّى "الناتو العربي" الذي يُعتبر "الكيان الصهيونيّ" جزءاً لا يتجزّأ منه، والذي يلعب فيه "الكيان" (الذي بات الآن يتبع للقيادة المركزيّة الأمريكيّة) دور "الضابط المناوب" أو "النباطشي" في المنطقة، بينما الجيوش والأجهزة الأمنيّة العربيّة هي بمثابة "الأفراد" العاملين تحت إمرته. ولعل "غزّة"، وتصفية مقاومتها، وانتشال الكيان من ورطته فيها، ستكون باكورة "إنجازات" و"بركات" هذا الحلف الجديد (وربما جنوب لبنان بذريعة المساعدة في نزع السلاح وحصره بيد الدولة، وخطوط التماس الطائفيّ في سوريا تكريساً للتقسيم)!
في ضوء هذا السياق يمكننا قراءة الاتفاق المفاجئ الذي تمّ الإعلان عنه بخصوص وقف إطلاق النار بين أمريكا واليمن؛ فهذا الاتفاق بهذه الصيغة في مثل هذا التوقيت هو جزء من الروح الاحتفاليّة التي يتمّ بثّها للتبشير بزيارة "ترامب" الميمونة للمنطقة!
هذا الكلام ليس الهدف منه التشكيك في "إخوان الصدق" اليمنيّين، أو الانتقاص من قيمة إنجازهم، أو الأثر الكبير والفرق النوعيّ الذي تحدثه وقفتهم البطوليّة في الميدان إلى جوار إخوانهم في غزّة.
ومجرد اضطرار أمريكا لإبرام هذا الاتفاق مع اليمنيّين ولو مؤقّتاً (وهي التي لا تعترف بهم أساساً كسلطة شرعيّة وتعتبرهم جماعةً أو تنظيماً إرهابيّاً)، ومجرد اضطرار أمريكا إلى كسر "وحدة ساحاتها" مع الكيان الصهيونيّ على جبهة البحر الأحمر ولو مرحليّاً.. هذا بحدّ ذاته يحمل دلالات عميقة!
ولكن الفكرة هنا أنّ التجربة العمليّة علّمتنا أنّ أمريكا أخبث من أم يُؤمَن جانبها، وأكثر سرسرة وسفالة من أن يتمّ التعويل على عهودها ومواثيقها وضماناتها، وأكثر غطرسةً وعنجهيّةً من أن تُقرّ بالهزيمة أو الفشل أو العجز!
لذا، ما أسهل أن تتنصّل أمريكا من اتفاقها مع اليمن لأوهى الأسباب وأسخفها وذلك بمجرد أن يُنهي "ترامب" زيارته، ويقضي وطره، ويهبش هبشته!
أو ما أسهل أن تلجأ أمريكا إلى أساليب بديلة مجرّبة لتعويض إخفاقها، كأن تعود لمحاولة إغراء اليمنيّين باليمنيّين مرّة أخرى، أو أن تكون هذه مهمّة أخرى لـ "الناتو العربيّ" المُزمَع، أو أن يتمّ ـ وهو الأخطر ـ ضرب عصفورين بحجر واحد، واستدراج مصر للتورّط في اليمن بحجّة الخسائر التي يتسبّب بها الحصار البحريّ لقناة السويس.. أو أي صيغة خبيثة أخرى على نفس هذه الشاكلة.
نفس الكلام ينطبق حول ما يُشاع عن قيام "ترامب" بقطع اتصاله مع "نتنياهو"، والتصريحات الأمريكيّة الجريئة تجاه الكيان الصهيونيّ، والضغوط الأمريكيّة على الكيان وعصابه حربه للقبول باتفاق طويل الأمد لوقف إطلاق النار في غزّة.
مناورات سياسية ودعائية ممجوجة ومحروقة ما أسهل أن تتنصّل الإدارة الأمريكيّة منها في غمضة عين بمجرد اختتام "ترامب" لجولته. والأهم والأخطر، أنّ هذه المناورات تأتي في إطار التمهيد والتسويق وتجميل وجه ما يُوصف بأنّه تصوّر أمريكي أو خطة أمريكيّة طويلة المدى للمنطقة تتضمن إقامة إدارة مدنيّة في غزّة تحت إشرافها المباشر توقف القتال وتحقن الدماء وتغيث الناس!
ويا سلام لو أنّ "عرب الاعتدال" قد أعلنوا تأييدهم لهذه الخطة، ومباركتهم لها، واستعدادهم للمشاركة في تنفيذها.. وذلك في بيان مشترك يتم الإعلان عنه كـ "سبرايز" للشعوب المسكينة والمغلوب على أمرها والمنهكة على هامش زيارة "ترامب" الميمونة!
بكلمات أخرى، في حال تمّ المضي قدما في "خطّة ترامب"، أو "مفاجأته" كما يُسمّيها.. فها هي أمريكا مرّة أخرى تمارس نفس سياستها الشيطانيّة القذرة: تنثر الفتن، وتجعل الجميع على الأرض يفتكون ببعضهم البعض، ويستنزفون بعضهم البعض، و"ينهنهون" بعضهم البعض.. ثمّ عندما يستحكم الإعياء والإرهاق واليأس من الجميع تأتي هي مثل "قاشوش الباصرة" لتأكل كلّ شيء، وتجيّر كلّ ما حدث لصالحها، وعندما نقول "صالحها" فالمقصود هو مصالح شركاتها ومصارفها وصناديقها السياديّة وكبّار ملّاكها وحملة أسهما وصانعي قرارها (ووكلائهم وسماسرتهم وقطاريزهم في المنطقة)!
هذا الكلام يؤكّد مسألتين:
المسألة الأولى: في ثنائيّة أمريكا - الكيان الصهيونيّ، أمريكا هي العدو الأول والأساسيّ والأكبر وليس الكيان!
فالكيان بخلاف الأوهام التي يروّجها عن نفسه ويطيب لنا تصديقها ليس الآمر الناهي المتحكّم بالقرار الأمريكيّ والعالميّ، بل هو قاعدة متقدمة ورأس حربة أوجدها النظام الرأسماليّ الإمبرياليّ العالميّ (الذي تحتل أمريكا حاليّاً موقع دولته المركزيّة) لخدمة مصالحه في المنطقة، وصيغة هذا الكيان واستمراره يتحدّدان في ضوء الوظائف التي يؤديها حاليّاً أو التي يمكن أن تُطلب منه في المستقبل.
وفي سياق "طوفان الأقصى" وحرب "الإبادة والتهجير"، فإنّ الواقع العمليّ قد أثبت بأنّ العدو الفعليّ والمسؤول الحقيقيّ عن كل القتل والدمار والإبادة والتطهير العرقيّ هي أمريكا، لأنّها الطرف الوحيد الذي يمتلك منذ اليوم الأول سلطة وصلاحية ونفوذ وقف ماكينة القتل الصهيونيّة بكبسة زر. ولولا الغطاء الأمريكيّ والدعم الأمريكيّ والتسليح الأمريكيّ والتحريض الأمريكيّ لما استطاعت ماكينة الحرب الصهيونيّة ولا استطاع الكيان الهش الاستمرار والصمود لشهر واحد بالاعتماد على قدراته الذاتيّة!
المسألة الثانية: بالنسبة لـ "نتنياهو" فهو كما قلنا منذ اليوم الأول "كلب مسعور في مهمّة"، وبقاؤه واستمراره من عدمهما، ومقدار الدعم والغطاء الذي يمكن أن يتحصّل عليهما.. كلّ ذلك رهن بمسار هذه المهمّة، ومدى نجاحه في تحقيقها، وأيّ تعديلات يمكن أن تطرأ عليها في ضوء سير المجريات على أرض الواقع.
نجحوا أم فشلوا، "نتنياهو" وزمرته بمثابة "ورقة محروقة"، ولا مكان لهم ولكلّ من كان جزءاً من "المعمعة" من جميع الأطراف في أي صيغة وتوافقات جديدة قادمة أيّاً كانت فحواها.. ويبقى السؤال، هل سيُسمح لـ "نتياهو" وأمثاله بخروج هادئ وتقاعد مريح ليتنعم آخر عمره بحصيلة فساده ولصوصيته عبر السنوات، أم أنّ أحدهم سيطلق عليه "رصاصة رحمة" تجعله شهيداً (شو بده أحسن من هيك خاتمة؟!)، وفي نفس الوقت تريحه وتريح مَن حوله، وتطوي صفحته وصفحة ما في جعبته من أسرار، وما في رقبته من جرائم وآثام!
بالعودة إلى زيارة "ترامب"؛ فإنّ الاحتفاء بالضيف وإكرامه وتكريمه هي من العادات العربيّة الأصيلة، ولكن في حالة ضيف مثل "ترامب" لا يستطيع المرء إلا أن يقول: "الله لا كان جاب الغلا"! خاصة وأنّ "ترامب" من نوعية الضيوف الذين ينطبق عليهم المثل الشعبيّ القائل: "ضيف وحامل سيف"! وأيضاً: "أعطيناه عين خش [دخل] بحماره"!
أمّا البهورة الزائدة والاحتفال الزائد بزيارة "ترامب" فينطبق عليهما المثل القائل: "كُثر التأهيل [أي قول أهلاً وسهلاً] بجيب الضيف الـ ....."!
نشكركم على القراءة، ونتطلع لمشاركتكم في مقالاتنا القادمة للحصول على أحدث الأخبار والمستجدات.
0 تعليق