نقدم لكم زوارنا الكرام أهم وآخر المستجدات كما وردت في المقال التالي: موريتانيا توجه صفعة مدوية لنظام "الكابرانات" عبر قرار تاريخي سيعزل الجزائر تماما عن محيطها الإقليمي - تليجراف الخليج اليوم الخميس 22 مايو 2025 08:44 مساءً
في تطور لافت يعكس تحولات عميقة في مواقف دول الجوار من السياسات الجزائرية، أعلنت موريتانيا إغلاق منطقة لبريكة الاستراتيجية الواقعة شمال شرق البلاد، بالقرب من الحدود مع الجزائر ومخيمات تندوف. هذا القرار يعني عمليًا إغلاق آخر منفذ بري رسمي كان يربط الجزائر بموريتانيا، ليُضاف إلى سلسلة الحدود المغلقة أو غير الآمنة التي تحيط بالجزائر من كل الجهات، باستثناء تونس.
الجيش الموريتاني أوضح في بيانه أن المنطقة باتت مصنفة "موقعًا مغلقًا" يُمنع فيه وجود المدنيين أو ممارسة أي نشاط تجاري، في مسعى للحد من الأنشطة غير القانونية العابرة للحدود، والتي تتداخل فيها التجارة المعاشية بالتهريب المنظم. غير أن هذا التبرير الأمني، على وجاهته، لا يخفي البعد السياسي العميق لهذا القرار، الذي يأتي في ظل توتر صامت بين الجزائر ونواكشوط على خلفية الدور الغامض الذي تلعبه الجزائر في بعض مناطق الساحل، ومحاولاتها المستمرة للتمدد عبر دعم مجموعات انفصالية وأخرى مسلحة.
بإغلاق الحدود الموريتانية، تُصبح الجزائر محاصرة جغرافيًا بالكامل. الحدود مع المغرب مغلقة رسميًا منذ التسعينيات، ولا مؤشرات لأي انفراج في الأفق، خصوصًا مع استمرار التصعيد الجزائري تجاه الرباط. الحدود مع مالي والنيجر خرجت منذ فترة عن السيطرة بفعل الانقلابات العسكرية والجماعات المسلحة، فيما العلاقة مع تشاد تكاد تكون معدومة. ليبيا تشكل مصدر تهديد أكثر مما تمثل منفذًا، نظراً للفوضى الأمنية التي تعمّها. وها هي موريتانيا تنسحب بهدوء من التعامل الحدودي، لتغلق الباب الأخير أمام الجزائر.
يبقى فقط المنفذ التونسي، وهو منفذ هش سياسياً واقتصادياً، إذ أن تونس، التي تعاني أزمات داخلية خانقة، لا تزال تحتفظ بعلاقات متينة مع الجزائر، وإن كان ذلك يعود بدرجة كبيرة إلى حاجتها للدعم المالي والطاقي، ما يجعل موقفها أقرب إلى التحالف الاضطراري لا عن قناعة استراتيجية. وبذلك، تكون تونس هي الدولة الوحيدة التي لا تزال تُبقي شريان تواصل مفتوحًا مع الجزائر، وإن كان هذا الشريان هشًا وقابلًا للانقطاع في أي لحظة، خصوصًا إذا ما تغيرت موازين القوى أو تبدلت الأولويات الداخلية.
هذا الخنق الجغرافي الذي يطوّق الجزائر اليوم ليس معطى جغرافيًا فحسب، بل نتيجة مباشرة لعقود من السياسات التي اعتمدها النظام الحاكم، القائم على دعم الانفصال، وزرع الشك، وتغذية التوترات الإقليمية. لقد أدت هذه الخيارات إلى عزلة خانقة، لم تعد تخفى على أحد. فالدول التي كانت حتى الأمس القريب تتحفظ أو تتعامل بحذر مع الجزائر، بدأت الآن تتخذ مواقف أكثر حزمًا، حتى وإن كانت مغلّفة باعتبارات أمنية أو سيادية.
الجزائر، التي طالما تباهت بأنها "قلب إفريقيا" و"بوابة المتوسط"، تجد نفسها اليوم محاطة بجدران صامتة، أقامتها سياسات التوسع بالوكالة، ودبلوماسية العداء الدائم. أمام هذا الواقع، لا يبدو أن للنظام الجزائري خيارات كثيرة، سوى إما الانكفاء الداخلي ومراجعة الذات، أو الاستمرار في سياسة الهروب إلى الأمام عبر افتعال الأزمات وشراء الولاءات المؤقتة.
لكن في ظل المتغيرات الإقليمية المتسارعة، لم تعد الحسابات التقليدية تنفع، ولم يعد بالإمكان المراهنة على الضعف الداخلي لجيران الجزائر لشراء الوقت. الجميع يعيد تموقعه، ويحسم مواقفه، بينما تزداد عزلة الجزائر اتساعًا وصمتًا.
0 تعليق