نقدم لكم زوارنا الكرام أهم وآخر المستجدات كما وردت في المقال التالي: ماذا يعني انقلاب "كينيا" على "الجزائر" بعد عقود من الدعم المتواصل لأطروحة "البوليساريو"؟ - تليجراف الخليج اليوم الأربعاء 28 مايو 2025 08:11 مساءً
في خطوة وُصفت من قبل عدد من المحللين بأنها تحوّل جيوسياسي مفصلي في القارة الإفريقية، أعلنت كينيا بشكل رسمي دعمها الكامل لمغربية الصحراء، ومبادرة الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية، منهية بذلك عقودًا من الانحياز لأطروحة الانفصال.
هذا التحول لم يكن قرارًا ظرفيًا أو معزولًا، بل جاء تتويجًا لمسار مغربي دبلوماسي طويل الأمد، اتسم بالحكمة والاتزان والعمل المتواصل في صمت، بعيدًا عن الصخب الإيديولوجي أو منطق المجابهة المباشرة.
وارتباطا بالموضوع، يرى خبراء في الشأن الإفريقي أن القرار الكيني يشكل ضربة مزدوجة للجزائر، إذ لم يقتصر على إعلان سياسي، بل تضمن إجراءات ملموسة شملت طرد ممثل "البوليساريو" من نيروبي، وقرار فتح سفارة في الرباط، إلى جانب التلميح إلى إمكانية فتح قنصلية في مدينة العيون. ويُنظر إلى هذه الخطوات، وفقًا لنفس المصادر، على أنها انتقال صريح من موقع المساندة الرمزية للجبهة الانفصالية إلى موقع الدعم العملي والفعلي للمقاربة المغربية.
في سياق متصل، يؤكد عدد من المراقبين أن هذا التحول ما كان ليتحقق لولا الاستراتيجية المغربية التي اعتمدت على بناء علاقات ثنائية متينة، ترتكز على الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة، دون اللجوء إلى الإغراءات المالية أو الخطابات الشعبوية، مشددين على أن المغرب قدّم نفسه كشريك موثوق يراهن على التعاون جنوب-جنوب، ويدعو إلى استقرار القارة من خلال مشاريع تنموية ملموسة، بدل تغذية الصراعات والانقسامات.
في مقابل ذلك، يرى خبراء في العلاقات الدولية أن الجزائر وجدت نفسها أمام مشهد جديد يتآكل فيه نفوذها التقليدي داخل القارة السمراء، رغم الإنفاق السخي لشراء المواقف السياسية، وهو ما لم يعد يُجدي في ظل تنامي وعي إفريقي جديد يُميز بين منطق الوحدة والسيادة، ومشاريع الانفصال التي تعرقل التنمية وتغذي الفوضى.
وأكدت ذات التحليلات أن دولًا إفريقية عديدة باتت تعيد النظر في مواقفها تجاه نزاع الصحراء، معتبرة أن مقترح الحكم الذاتي المغربي يشكل أرضية واقعية وجدّية لتسوية النزاع، بما يضمن السيادة ويحترم التطلعات المحلية.
كما ربط ذات المراقبين تحول الموقف الكيني بمناخ سياسي جديد يهيمن على القارة، حيث تتراجع تأثيرات التحالفات الإيديولوجية القديمة، وتبرز مكانها توجهات براغماتية تسعى لتجاوز الأزمات التاريخية والانخراط في مسارات تنموية، حيث يعتبر هؤلاء أن المغرب استطاع بفضل مقاربته المتماسكة أن يُعيد ترتيب الأوراق حتى داخل الدول التي كانت تشكل ركائز أساسية في دعم الجبهة الانفصالية.
ويشير ذات المحللين إلى أن مبادرة الحكم الذاتي لم تعد مجرد ورقة تفاوضية مغربية، بل أضحت تحظى بتأييد متزايد على المستوى القاري والدولي، باعتبارها المقترح الوحيد القادر على التوفيق بين مبدأ السيادة ومتطلبات حل سياسي واقعي، وهو ما جعل عددًا متناميًا من الدول ترى فيها المخرج العملي والأكثر قابلية للتنفيذ.
ويُضيف خبراء في الدبلوماسية الإفريقية أن إعلان كينيا تزامن مع خطوة مماثلة من السلفادور بفتح قنصلية في العيون، ما يعكس توسع دائرة الدول المؤيدة للموقف المغربي خارج القارة الإفريقية، في ما يشبه إعادة تشكيل للتوازنات الدولية بشأن هذا النزاع المفتعل.
من جانبهم، يرى مراقبون أن هذا التحول لا يعبّر عن موقف دولة بعينها، بقدر ما يعكس دينامية إقليمية متصاعدة تُمهد لإعادة صياغة معايير التعامل مع قضايا السيادة والوحدة الترابية في إفريقيا. مشددين على أن المغرب، وبفضل دبلوماسيته الهادئة وواقعيته السياسية، لم يكتف بحصد الاعترافات، بل بات يقود تحولًا قارّيًا يتجه نحو تجاوز منطق التجزئة والانقسام، لصالح وحدة الدول واستقرار شعوبها.
وخلص عدد من المحللين إلى أن ما تحقق مع كينيا يُعد لحظة مفصلية بكل المقاييس، تُجبر خصوم المغرب على مراجعة حساباتهم، وتؤكد أن الرهانات القديمة لم تعد تصلح لواقع إفريقي جديد، تُبنى فيه التحالفات على أساس النجاعة والمصداقية، لا على بقايا الإصطفاف الإيديولوجي.
0 تعليق