نقدم لكم زوارنا الكرام أهم وآخر المستجدات كما وردت في المقال التالي: حين تتحول الشائعات إلى سلاح، كيف يُستهدف وعي الأردنيين رقمياً؟ - تليجراف الخليج اليوم السبت الموافق 31 مايو 2025 09:48 مساءً
في زمن تتقاطع فيه السياسة مع التكنولوجيا، وتختلط فيه الحقيقة بالوهم، تواجه المجتمعات تحديًا غير تقليدي وهو الذباب الإلكتروني. لم يعد الأمر مجرد حسابات وهمية أو تعليقات عابرة، بل أصبح منظومة رقمية منظمة، تتسلل إلى الفضاءات العامة لتشكيل الرأي، وتوجيه الانتباه، والتشويش على الحقيقة. الأردن، كغيره من الدول التي تنشط فيها الحياة السياسية والاجتماعية، لم يسلم من هذا الهجوم الخفي.
هذا الذباب، كما يُسمّى مجازًا، يعمل على تكرار الشائعات حتى تبدو واقعية، ويعتمد على الضخ المعلوماتي المضلل والموجه، مستهدفًا وعي الأردنيين وثقتهم بمؤسساتهم، بل وحتى بثقتهم ببعضهم البعض. إنه ليس جديدًا، لكن أدواته صارت أكثر تطورًا وخبثًا.
تؤكد الباحثة في شؤون الأمن الرقمي "جاكلين شندلر" أن "الهجمات الرقمية الممنهجة باتت واحدة من أخطر أشكال الحروب غير التقليدية، لأنها لا تحتاج إلى سلاح بل إلى خوارزميات ومحتوى مصمم بعناية". وهو ما يجعل من الذباب الإلكتروني تهديدًا حقيقيًا للاستقرار المجتمعي.
وفي تحليل نُشر بمجلة "Foreign Policy"، أوضح الخبير في الإعلام الرقمي "بيتر سينغر" أن الجيوش الإلكترونية تنمو كالفطريات في بيئات النزاع، وتُستخدم لإعادة تشكيل الوعي الجمعي. ويضيف: "الغاية ليست فقط التضليل، بل إنهاك المجتمعات نفسيًا، وزرع الشك في كل شيء: في المعلومة، وفي المصدر، وحتى في النوايا".
هذا ما يعاني منه الأردنيون اليوم، فكلما تصاعد حدث سياسي أو اقتصادي، تصاعد معه سيل من المنشورات المجهولة المصدر، وصار من الصعب التمييز بين النقد المشروع، والهجوم الممنهج. وحين يفقد الناس بوصلتهم بين الحقيقي والمزيف، تفقد النقاشات معناها، ويعلو الضجيج فوق أي صوت عقلاني.
تقول الباحثة الأمريكية "سامانثا برادشو" من جامعة أوكسفورد، إن الذباب الإلكتروني يعتمد على "تكتيكات الخداع العاطفي"، أي نشر محتوى يستفز الغضب أو الخوف، لتحفيز التفاعل، دون النظر إلى صحة المعلومة. وهو ما يظهر بوضوح في بعض الحملات التي تروّج لروايات غير موثقة، مستخدمة عبارات شعبوية، وصور مفبركة.
في الأردن، ورغم وعي جزء كبير من المجتمع بهذه الظاهرة، إلا أن الأدوات التقنية والقانونية لمجابهتها لا تزال محدودة. تحتاج المؤسسات إلى استراتيجيات أكثر تقدمًا، ليس فقط لرصد الحسابات الوهمية، بل لفهم آليات انتشار المحتوى وتفكيك شبكاته.
الذباب الإلكتروني لا يستهدف الحقيقة فقط، بل يستهدف الثقة. وعندما تتآكل الثقة، يصبح المجتمع هشًا، سهل الانقسام، سريع الاشتعال. إنها حرب جديدة تُخاض على الشاشات والهواتف، لكن ضحاياها من البشر الحقيقيين.
لهذا، فإن مواجهة الذباب الإلكتروني لا تكون فقط بتعقّب الحسابات أو حذف المنشورات، بل ببناء وعي نقدي، وتعزيز ثقة المواطن بمصادره، وتوفير إعلام مهني قادر على الرد والتوضيح دون تهويل أو تبسيط.
الوعي هو السلاح الأقوى في هذه المعركة. فحين نُدرك أن بعض ما يُكتب لنا لا يُكتب من أجلنا، بل ضدنا، نكون قد بدأنا أول خطوات الحماية.
نشكركم على القراءة، ونتطلع لمشاركتكم في مقالاتنا القادمة للحصول على أحدث الأخبار والمستجدات.
0 تعليق