المبادرة الأطلسية المغربية: تحول استراتيجي يعيد رسم خريطة الساحل والصحراء - تليجراف الخليج

0 تعليق ارسل طباعة

نقدم لكم زوارنا الكرام أهم وآخر المستجدات كما وردت في المقال التالي: المبادرة الأطلسية المغربية: تحول استراتيجي يعيد رسم خريطة الساحل والصحراء - تليجراف الخليج اليوم الجمعة 20 يونيو 2025 05:06 مساءً

في ظل بيئة دولية مأزومة وتغيرات جيواستراتيجية متسارعة، برزت المبادرة الأطلسية المغربية لدول الساحل والصحراء كتحول نوعي في المقاربة السياسية والاقتصادية والأمنية للعلاقات المغربية-الإفريقية. وهي مبادرة مدفوعة برؤية استباقية تعكس تموضع المغرب كفاعل إقليمي صاعد يسعى إلى تكريس منطق "رابح/رابح"، وتثبيت الأمن والاستقرار في منطقة طالما عانت من التهميش والصراعات البنيوية.

 

●قراءة في السياق الدولي والإقليمي

 

تأتي هذه المبادرة الملكية، التي أعلن عنها جلالة الملك محمد السادس بمناسبة الذكرى 48 للمسيرة الخضراء، في لحظة حاسمة من تاريخ المنطقة. إذ تعيش منطقة الساحل والصحراء على وقع سلسلة من الانقلابات السياسية، وتنامٍ للجماعات الجهادية المسلحة، وانسحاب تدريجي للقوى الاستعمارية التقليدية، وعلى رأسها فرنسا. وفي المقابل، تزايد حضور قوى دولية جديدة مثل روسيا، الصين، والولايات المتحدة، في ساحة التنافس الجيوسياسي الإفريقي، مما يجعل من هذه المنطقة نقطة صراع نفوذ متعدد الأقطاب.

 

ضمن هذا الإطار، جاءت المبادرة المغربية كبديل تنموي وأمني متكامل، يحمل مقومات "الفعل" بدل "رد الفعل"، ويوظف البعد البحري الأطلسي للمغرب كنقطة ارتكاز استراتيجية نحو إفريقيا، من خلال دمج دول الساحل غير المطلة على البحر ضمن منظومة لوجستية واقتصادية متقدمة.

 

●الرؤية المغربية: من الجغرافيا إلى الجيو-استراتيجية

 

أدرك المغرب، انطلاقًا من موقعه الجيوسياسي الفريد، أهمية البُعد الأطلسي ليس فقط كواجهة بحرية، بل كأداة تأثير دبلوماسي، أمني، واقتصادي. فالمبادرة لا تهدف فقط إلى إنشاء ممر بحري لدول الساحل، بل إلى بناء فضاء إقليمي مندمج يقوم على:

 

-تعزيز البنية التحتية للربط الطرقي والمينائي بين المغرب ودول الساحل؛

-تطوير أسطول بحري تجاري يخدم المبادلات جنوب/جنوب؛

-تشجيع الاستثمار في الاقتصاد الأزرق، وتحلية المياه، والزراعة الساحلية؛

-تحويل المنطقة إلى وجهة سياحية مستدامة؛

-فتح آفاق الشراكة في مجالات الطاقة المتجددة والثروات البحرية.

 

●التحديات البنيوية والرهانات الواقعية

 

لا يمكن إنجاح هذه المبادرة دون وعي عميق بالتحديات التي تواجه دول الساحل، مثل هشاشة البنى الاقتصادية، ارتفاع معدلات الأمية، ضعف الناتج الداخلي الخام، واستفحال الفقر. كما أن الطبيعة الجغرافية القاسية، إلى جانب الامتدادات القبلية العابرة للحدود، تزيد من تعقيد مشهد الاستقرار السياسي والاجتماعي.

 

ورغم ما تزخر به هذه الدول من ثروات طبيعية، كالنفط واليورانيوم والذهب، فإنها تعاني من ضعف في إدارة الموارد وغياب رؤية تنموية شاملة. المبادرة المغربية تراهن على تجاوز هذه الإكراهات عبر نقل نموذج مغربي ناجح قائم على الاستقرار السياسي، والإصلاح التدريجي، والانفتاح الاقتصادي.

 

●بُعد أمني لا يمكن تجاهله

 

يحتل الجانب الأمني موقعًا محوريًا في هذه المبادرة، التي تسعى إلى سد الفراغات الأمنية التي تستغلها التنظيمات الجهادية العابرة للحدود. ويبرز في هذا السياق البعد المغربي الرامي إلى تصدير تجربته الأمنية، ومأسسة التعاون الأمني مع دول الجوار الجنوبي، كوسيلة لحماية الأمن القومي المغربي من التهديدات الإرهابية المتصاعدة.

 

كما تتيح المبادرة فرصة لبناء تحالفات أمنية جديدة بعيدًا عن النماذج الاستعمارية التقليدية، ووفق رؤية إفريقية خالصة تضمن الاستقلالية وتعزز مناعة دول الجنوب.

 

●نحو دبلوماسية تنموية متقدمة

 

ترتكز المبادرة الأطلسية على تصور جديد للدبلوماسية المغربية، يقوم على الانتقال من "رد الفعل" إلى "الفعل الاستباقي"، ومن دبلوماسية الملفات إلى دبلوماسية التنمية والاندماج الإقليمي. فهي ليست مجرد مشروع اقتصادي أو أمني، بل رؤية متكاملة لتعزيز الدور المغربي داخل القارة، وتكريس نموذج شراكة جنوب/جنوب فعّالة ومستدامة.

 

●من المبادرة إلى المنظومة

 

يبقى نجاح المبادرة رهينًا بمدى انخراط دول الساحل والصحراء في هذا التصور، واستعدادها للقطع مع الماضي المرتبط بالتبعية والخضوع للمقاربات الأمنية الغربية. إنها فرصة لبناء نظام إقليمي جديد، قائم على التعاون المتوازن، واستثمار الرأسمال البشري، والثروات الطبيعية، والبنية الجغرافية المشتركة.

 

في زمن التحولات الكبرى، لا مكان للحياد الجغرافي أو الجمود السياسي. والمغرب، من خلال هذه المبادرة، يضع نفسه في قلب دينامية إقليمية واعدة، قد تُمهّد الطريق لصياغة عقد جيواستراتيجي جديد بين شمال إفريقيا وعمقها الساحلي والصحراوي.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق