"المهندسين" في قبضة "صندوقها" : معضلة النموذج واستعادة الدور - تليجراف الخليج

0 تعليق ارسل طباعة

نقدم لكم زوارنا الكرام أهم وآخر المستجدات كما وردت في المقال التالي: "المهندسين" في قبضة "صندوقها" : معضلة النموذج واستعادة الدور - تليجراف الخليج اليوم السبت الموافق 5 يوليو 2025 04:44 مساءً

كتب م. أشرف عمايرة

تكشف الأزمة المستعصية في صندوق التقاعد بنقابة المهندسين الأردنيين، وفي كل مرة يعود فيها الحديث عنها، أن الصندوق أصبح عنوانا مأزوما يهيمن على صورة النقابة، ويبتلع طاقتها، ويستهلك رأس مالها المعنوي والاجتماعي، ويعيد تعريفها في وعي المهندسين والمجتمع كمؤسسة "خدماتية” متصدعة، لا كيانا مهنيا يعبر عنهم وينظم مهنتهم.

تُظهر النقاشات الدائرة في الأوساط النقابية والهندسية حول مستقبل صندوق "تقاعد المهندسين” المشهد كصراع وجودي، ومفاضلة صفرية، يتعين فيها الاختيار بين الحياة والموت المؤسسيين. ذلك أن التعامل مع الصندوق باعتباره قلب النقابة وشريان بقائها، قد حول هذه "الأداة” إلى هوية بديلة، فاختزلت النقابة في خدمته، وتقلص خطابها ودورها إلى مطلب استدامة "الصندوق” بأي ثمن، في ظل اختلال المعادلة المالية بين الاشتراكات والمنافع، وتعثرات قاسية في إدارة أصول واستثمارات، و”إلزامية” أُريد لها أن تكون صمام أمان مالي، فإذا بها تتحول إلى قيد تنظيمي غير منتج، تضرب في مبدأ العدالة والمساواة، وتكرس هرم أولويات مقلوبا داخل النقابة: من تمكين المهنة والمهندس أولاً إلى "إنقاذ الصندوق على أي حساب”، إلزامية زادت من فجوة الثقة، وأنتجت حالة من الاغتراب بين فئات واسعة من المهندسين والنقابة، حين أصبحت الاشتراكات عبئا مفروضا لا يُقابله تمثيل فعلي أو فائدة ملموسة أو شفافية ذات صدقية.

المفارقة أن الهلع من انهيار الصندوق لم يواكبه ما يكفي من الجرأة في تناول مساءلة بنيته، ولا من الشجاعة في البحث عن بدائل، ولا الاعتراف بأساس المعضلة بوصفها أزمة "هيكل ونموذج”. هذا الانسداد في التصورات وتعزيز "عقيدة نقابية”، باعتبار صندوق التقاعد عصب بقاء النقابة، هو تعبير عن مأزق جمعي وابتسار لمشروع نقابي وانزياح مشوه في وظيفة النقابة ذاتها.

والسؤال الحقيقي الواجب الطرح هو: أي نموذج تقاعدي نريد؟

النموذج التقاعدي القائم في صندوق "تقاعد المهندسين" يقوم على وعد ثابت، مفصول عن الأداء المالي والاستثماري للصندوق، ومعتمد على تضامن مهني لم يعد ممكنا استمراره في ظل المتغيرات الاقتصادية والاجتماعية والديموغرافية وارتفاع أمد الحياة التقاعدية. هذه الصيغة، التي قدّمت في وقتها أمانا نسبيا، تحولت اليوم إلى عبء هيكلي يراكم عجزا اكتواريا، وتسير بالصندوق نحو انهيار حتمي.

ثمة ضرورة، اليوم، للانتقال من منطق الدفاع، والدفاع عن نموذج معتل ليس وفاءً للمهنة إنما إصرار على إغراقها، إلى منطق "أعادة التأسيس" على قواعد اقتصادية متينة ونموذج مالي مستدام مبني على "الرسملة والمراكمة". صندوق يُعيد تعريف مفهوم الأمان الاجتماعي المهني ويستثمر في عقل المهندس، ويتجاوز في نموذجه الاستثماري نحو أدوات الانتاج والتعاونيات الهندسية والشراكات التنموية.

إن منطق "إعادة التأسيس” هو التحول الاستراتيجي نحو نموذج استثماري وهيكل جديد وفلسفة مغايرة تفتح أفقا للاستدامة والنمو والعدالة المالية، وتعيد هندسة الحوافز وتربط ضمن نظام متعدد المسارات جزءا من المنافع بالعائد الاستثماري وتضمن في الوقت ذاته حداً أدنى من الحماية الاجتماعية، وتمنح قدرة على التكيف مع تقلبات السوق والديمغرافيا، وتعيد ضبط العلاقة اكتوارياً بين الاشتراك والمردود ضمن منطق استثماري عادل.

ومع كل ذلك، تتجلى المعضلة - الفرصة: لا يمكن إنقاذ صندوق التقاعد فقط إجرائيا، ولكن من خلال إصلاح دور النقابة نفسها، وإعادة بناء سلطتها المعنوية ووظيفتها المهنية والاجتماعية. وكل محاولة لترقيع أزمة الصندوق دون معالجة لحالة الانزياح في وظيفة النقابة وأزمة تعريف الدور التي تتعمق يوميا، ستكون بذراً في أرض قفار!

ما تحتاجه النقابة لإنقاذ صندوق تقاعد أعضائها اليوم هو استعادة روحها وفكرتها أولاً، وتُعيد تعريف ذاتها كفاعل مهني مستقل، وكسقف تمثيلي جامع، وهذا لن يكون ممكنا دون استعادة الثقة العامة، التي لا تُبنى إلا على ثلاثة أعمدة: نزاهة الصندوق الانتخابي، واستقلالية القرار النقابي، ورؤية متماسكة تضع المهنة في صدارة الأولويات والمهندس في صلبها وتمضي في مشروع مهني تنموي وتُخرج العمل النقابي من الإطار الخدمي المجرد.

إن متانة النقابة وقوتها تُبنى بالتفاف هيئتها العامة حولها، ومدى شعور المهندس أن نقابته تمثله، تدافع عنه، وتدير شؤون مهنته بعقلية المستقبل وتفتح له أفقاً في وطنه. عندها فقط يمكن الحديث عن إنقاذ حقيقي، ونتقدم بثقة ونصوغ نموذجاً نقابياً شاملاً ومنتجاً.. وتكون اللحظة الفارقة الحالية لحظة نهوض وتجدد.


نشكركم على القراءة، ونتطلع لمشاركتكم في مقالاتنا القادمة للحصول على أحدث الأخبار والمستجدات.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق