جرش المحافظة والمدينة التاريخية المهمشة رغم غناها بالتراث والخيرات والموارد البشرية - تليجراف الخليج

0 تعليق ارسل طباعة

نقدم لكم زوارنا الكرام أهم وآخر المستجدات كما وردت في المقال التالي: جرش المحافظة والمدينة التاريخية المهمشة رغم غناها بالتراث والخيرات والموارد البشرية - تليجراف الخليج اليوم الثلاثاء الموافق 22 يوليو 2025 12:41 مساءً

كتب د. محمد أبو غزله * 

لمن لا يعرف من المسؤولين أين تقع محافظة جرش، فهي إحدى محافظات الأردن الاثنتي عشرة، وتقع في شمال البلاد. يبلغ عدد سكانها تقريبا (300) ألف نسمة، ومساحتها (410) كم²، فيما تبلغ الكثافة السكانية فيها حوالي (685) نسمة لكل كم². تاريخيا تُعد جرش من أقدم المدن الأثرية التي سكنها الرومان، وكانت واحدة من المدن العشر الرومانية الشهيرة (الديكابولس) ورغم هذا الإرث الحضاري العريق، فإن واقع المحافظة اليوم يعكس صورة مؤلمة من التهميش والإهمال المزمن؛ فالبطالة والفقر منتشران، وفرص العمل شبه معدومة، في تناقض صارخ بين الغنى الحضاري والتاريخي، والفقر في الواقع المعيشي والخدمي، نتيجة غياب المستوى التنموي والدعم الحكومي.

لأن جرش المحافظة والمدينة كنز تاريخي وأثري فريد فهي ليست فقط مدينة، بل متحف مفتوح للحضارة تحتضن المدينة آثارا رومانية تعد من الأجمل والأكمل في العالم، مثل شارع الأعمدة، والمدرج الروماني، وهيكل أرتميس، وغيرها سكنها الرومان، وازدهرت فيها الحياة الثقافية والتجارية، وشهدت مرور حضارات عظيمة.

إلا أن هذه المدينة الغنية بتاريخها وسكانها المنتمين لشتى المنابت والأصول، وولائهم العميق للقيادة الهاشمية وللدولة الأردنية، لا تحظى بما تستحقه من بنية تحتية أو خدمات أساسية فهي تعاني اليوم من فقر مدقع وبطالة مرتفعة، رغم وفرة الأراضي الزراعية والسياحية وغيرها في مفارقة لا يمكن تجاهلها فالمحافظة تزخر بكنوز أثرية وسياحية تجلب آلاف الزوار سنويا وبشرية غير مستثمرة، لكنها لا تنعكس إيجابا على حياة السكان المحليين.

جرش تتميز بفسيفساء اجتماعية تعيش بتعايش فريد، وهو ما كان يجب أن يشكل عنصرا ومصدر قوة وتنمية يتم استثماره لكن يا للأسف لم يترجم هذا التنوع إلى تمثيل سياسي ونيابي أو إداري عادل، على غرار ما هو موجود في باقي المحافظات على الرغم من التعداد السكاني فيها مع الإشادة بما تم في تشكيل الحكومة الحالية مشكورة والتي تكون هي المرة الوحيدة والتي نرجو الاستمرار لها، إلا أن غالبية مسؤولي المحافظة يكونون من خارجها، وإن تم اختيار أحد أبنائها، فعادة ما يكون ذلك وفق ترتيبات مرسومة لترسيخ التهميش الحكومي، وتجاهل المطالب المتكررة لسكان المحافظة في إيجاد مشاريع تنموية حقيقية لهم.

وعلى الرغم من المطالبات المتكررة من ممثلي محافظة جرش، سواء من النواب السابقين أو الحاليين، فإن معظم هذه الجهود لم تثمر سوى عن تعيينات محدودة من الفئة الثالثة، أو نقل موظفين، أو منح أدوار لغير مستحقيها، غالبا لصالح أقارب أو محسوبين ومع ذلك، لا يمكن إنكار أن بعض النواب السابقين بذلوا جهودا يشكرون عليها ضمن حدود إمكاناتهم، وقد أسفرت هذه الجهود رغم طول انتظارها عن استحداث لواء جديد في المحافظة، وهو مطلب محق تأخر تنفيذه سنوات طويلة لكن في المجمل، لم تلق هذه المطالبات آذانا صاغية، ولم تفضِ إلى نتائج جوهرية تعالج التحديات الحقيقية التي تواجه المحافظة بل إننا، وبكل أسف، لا نتوقع تحقق إنجازات ملموسة في الأيام القادمة، في ظل استمرار نهج التجاهل الرسمي، والتقصير التنموي، فزيارة واحدة لوسط المدينة ومركز المحافظة تلخص لك الصورة الكلية.

فمن غير المعقول أن تظل محافظة جرش، بكل ما تملكه من إمكانات بشرية وطبيعية، بلا جامعة حكومية، أو مصانع إنتاجية، أو مشاريع تشغيلية تواكب نسب البطالة والفقر المتصاعدة، ويزداد هذا الشعور بالغبن حين نرى مشاريع تنموية تقام في محافظات أقل عددا في السكان لكن أكثر تمثيلا وتنمية، بسبب أنها تحظى بنفوذ أكبر مع أننا نؤمن بأهمية التنمية الشاملة يجب أن تكون في جميع محافظات الوطن، إلا أن ذلك لا يجب أن يكون على حساب العدالة والإنصاف لمحافظات تمتلك كل المقومات، لكنها محرومة من أبسط الحقوق التنموية.

لا يمكن إنكار أن التهميش للمحافظة ليس مسؤولية الحكومة وحدها، بل يشارك فيه بعض أبناء جرش أنفسهم، ممن يعرفون محليا بـ"مسامير الصحن" – وهم أشخاص يلتفون حول كل مسؤول جديد، ويوجهونه لخدمة مصالحهم الضيقة، على حساب مصلحة المدينة هؤلاء هم من ساهموا في تعميق التهميش عبر احتكار الفرص وغياب المبادرات المجتمعية الفاعلة، بل وعملوا على إقصاء الكفاءات الحقيقية من أبناء المحافظة وتسير المسؤولين من خارج المحافظة وفق أهوائهم.

وبمناسبة زيارة دولة رئيس الوزراء للمحافظة وعقده لجلسة مجلس الوزراء فيها نقول لدولتك لقد شهدت المحافظة على مر السنوات زيارات رسمية متكررة من أصحاب الدولة ومعالي الوزراء والاعيان، ومرت عليها قوافل من المسؤولين بمختلف مواقعهم الوظيفية، وأطلقت خلالها تصريحات ووعود بمشاريع تنموية بقيت في معظمها حبرا على ورق على الرغم من المطالبات المتكررة من أبناء المحافظة. فلا أثر لها يذكر على الأرض ولا تنمية حقيقية انعكست على المواطن كما أن هناك مناطق عديدة في المحافظة يمكن تصنيفها كـ"جيوب فقر"، رغم توفر الأراضي الزراعية، والمواقع السياحية، والموارد البشرية بسبب غياب التوجيه والدعم التنموي الحكومي، وعليه ما الجديد لهذه المحافظة؟ هل من مشاريع تنموية مجدولة زمنيا، هل من قرارات فورية لمعالة مشاكل البطالة في المحافظة؟ هل مرافق تعليمية وحيوية ستنشأ في المحافظة؟ هل من جدولة زمنية لقرارات حكومية للمتابعة والمحاسبة، نتمنى على دولتك ذلك ونسأل الله ألا تكون هذه الزيارة كمثيلاتها.

من المعروف واللافت أن محافظة جرش كانت ولا تزال منارة للثقافة والفكر تاريخيا قبل انطلاق "مهرجان جرش للثقافة والفنون". فقد ساهم أبناؤها في صياغة المشهد الثقافي الأردني في الأدب والفن والمسرح، وكانوا من أوائل الكتاب والشعراء والفنانين الذين أداروا الحوارات الفكرية وأسهموا في النهوض بالمشهد الثقافي الأردني، لكنها اليوم بحاجة إلى إحياء هذه الروح الثقافية، ليس فقط من خلال المهرجانات، بل عبر دعم مستدام للأنشطة الثقافية المحلية، فليس من المعقول أن تهمش هذه الصورة المشرقة نتيجة الإهمال والتقصير الحكومي المتراكم.

إن السياحة في جرش تمثل فرصة ذهبية للاقتصاد الأردني ولأهالي المحافظة. فالسياحة ليست قطاعا اقتصاديا فحسب، بل وسيلة فعالة لتحقيق التنمية الشاملة والعادلة فتطوير السياحة في جرش بشكل مستدام، وإشراك المجتمع المحلي في الفعاليات، وتطوير الصناعات الحرفية، وتحسين الخدمات السياحية، يمكن أن يوفر آلاف فرص العمل، ويقلل نسب البطالة، ويرفع من مستوى المعيشة في المحافظة، لذا من المهم أن يعاد النظر في توزيع إيرادات الفعاليات الثقافية والفنية لتصب في تنمية مدن وقرى المحافظة. وكون جرش تصنف على أنها محافظة زراعية، فإن دعم القطاع الزراعي وتوفير البنية التحتية له لا يقل أهمية عن دعم السياحة، إذ يشكل رافدا حيويا لتشغيل الأيدي العاملة وهو المصدر الذي يعتاشون منه رغم ما يعانون من تهميش.

إن أبناء محافظة جرش، كغيرهم من الأردنيين، أوفياء لوطنهم وقيادتهم الهاشمية. ومن حقهم أن توفر لهم الإرادة السياسية الحقيقية لتنمية محافظتهم، ومنحهم حق التمثيل العادل في المواقع الحكومية مع أن هذه هي الحكومة الوحيدة التي حاولت انصافهم بتعيين وزيران من أبنائها، وأن تكون هناك قرارات تنموية فعلية لا إعلامية، فأهالي جرش ما زالوا ينظرون تأسيس جامعة حكومية كباقي المحافظات وقد طال انتظارها رغم المطالبات المتكررة، كما من حق المحفظة أن تنشئ فيها مصانع تستوعب الشباب، وتقلل من نسب البطالة، إضافة إلى أهمية تفعيل السياحة المستدامة بما يعود بالنفع المباشر على السكان، ودعم القطاع الزراعي، وتمكين الشباب والنساء من خلال التدريب والتمويل والتمثيل في مواقع اتخاذ القرار كما أن محاسبة المقصرين، سواء من خارج المحافظة أو من أبنائها النافذين، أصبحت ضرورة ملحة، فهؤلاء يستخدمون نفوذهم لاحتكار الفرص، وأحيانا بدعم من جهات رسمية، وهو ما يعمق التهميش ويفرغ كل محاولات الإصلاح من مضمونها.

جرش ليست مجرد محافظة او مدينة رومانية قديمة أو حجارة أثرية فقط إنها رمز للحضارة والكرامة والعراقة، ومحافظة حية تحمل في طياتها تاريخا غنيا، ومجتمعا نابضا، وموارد بشرية لا تقدر بثمن لكنها تعاني اليوم في صمت بسب التهميش، ولا تطلب المستحيل، بل تطلب القليل من العدالة في التوزيع، والصدق في الوعود، وكثيرا من المسؤولية، لتأخذ مكانتها التي تستحقها على خارطة الوطن.

* الكاتب خبير تربوي

نشكركم على القراءة، ونتطلع لمشاركتكم في مقالاتنا القادمة للحصول على أحدث الأخبار والمستجدات.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق