نقدم لكم زوارنا الكرام أهم وآخر المستجدات كما وردت في المقال التالي: الإمارات الفلسطينية (اللا متحدة) - تليجراف الخليج اليوم الثلاثاء الموافق 22 يوليو 2025 06:41 مساءً
هل ما نراه اليوم على أرض فلسطين هو إرهاص لنهاية مشروع الدولة الواحدة أو الدولتين، وبداية تَشَكُّل نموذج سياسي جديد قد نُطلق عليه اسم: "الإمارات الفلسطينية”؟
في ضوء الانسداد السياسي، وتعقيدات المشهد الجيوسياسي، وتآكل الخطابات التقليدية للمقاومة والمفاوضة، يلوح في الأفق مفهوم جديد للتنظيم السياسي الفلسطيني، لا يستند إلى مركزية الدولة بقدر ما يقوم على لا-مركزية الكيانات. كأننا أمام نمط جديد من التفكيك البنيوي، يعيد تشكيل الخارطة الفلسطينية إلى جزر سياسية شبه مستقلة، تحمل طابع "الإمارات” أو "الكانتونات”، تُدار ذاتياً تحت عناوين وطنية، ولكنها مرتبطة وظيفياً ببيئات إقليمية ودولية متباينة.
الضفة الغربية تتشظى إلى مناطق نفوذ موزعة بين سلطة رمزية محدودة السيادة، ومراكز أمنية إسرائيلية متوغلة، وقوى محلية تتماهى أحيانًا مع المنظومة الدولية اقتصادياً وأمنياً. أما غزة، فهي تمثل كيانًا سياسيًا-عسكريًا مستقلًا بحكم الأمر الواقع، يرتبط بشبكة مصالح معقّدة تمتد من طهران إلى الدوحة، ومن أنقرة إلى القاهرة.
وهكذا، نكون أمام مشهد ما بعد الدولة: كيانات فلسطينية متجاورة، مستقلة إداريًا، ومتصارعة أيديولوجيًا، يجمعها شعار التحرير، وتفرّقها واقعية المصالح والوصايات السياسية.
إن "الإمارات الفلسطينية” ليست سيناريو خيال سياسي، بل واقع يتشكل بصمت، مدفوعًا بثلاثة محركات رئيسية:
1. التطبيع غير المتوازن الذي أعاد ترتيب الأولويات الإقليمية وقلّص مركزية القضية الفلسطينية في خطاب النظام العربي الرسمي.
2. التدويل الزاحف عبر تدخلات المؤسسات الأممية ومؤسسات التمويل الدولي التي ترسم ملامح الإدارة الفلسطينية على الأرض من خلف الكواليس.
3. الإرهاق الشعبي، حيث تعب الفلسطيني من خطاب تحرير لا يُطعم خبزاً، ونظام سياسي متخشّب يفتقد القدرة على تجديد أدواته.
في خضم هذا، تظهر "الإمارات الفلسطينية” كصيغة تخدم مصالح أطراف متعددة: فهي تُبقي على رمزية الكيانية الفلسطينية دون تهديد البنية الاستعمارية، وتُرضي الأطراف الدولية بمشروع "السلام الاقتصادي”، وتُغذي نخبًا محلية بمكتسبات السلطة، حتى وإن كانت تلك السلطة مبتورة السيادة.
لكن، وهنا مكمن الخطر، فإن قبول هذا النموذج يعني دفن فكرة الدولة الفلسطينية المستقلة، وتحويل النضال الفلسطيني من مشروع تحرري إلى إدارة أزمات محلية مزمنة. ويصبح المواطن الفلسطيني خاضعًا لسلطة "إمارة ما”، تختلف في قوانينها، وتحالفاتها، وسقف خطابها، عن إمارة مجاورة لا تبعد أكثر من عشرين كيلومترًا.
وهنا نسأل: هل هذا ما أراده الشهداء حين ارتقوا؟ وهل هذه هي فلسطين التي تسكن في ضمير الأمة؟
إنّ مسؤولية الوعي السياسي اليوم تفرض إعادة بناء سردية فلسطينية جديدة، تتجاوز الصيغ المهترئة، وترفض التفكيك المُقنَّع. لا بد من رؤية استراتيجية تعيد للقضية مركزيتها، وتُعلي من شأن المشروع الوطني فوق الفصائل، والإمارات، والمصالح الضيقة.
"الإمارات الفلسطينية” ليست حتمًا قدريًا، لكنها قد تكون المصير المحتوم إذا ظلّ العقل العربي في سباته، والنظام الفلسطيني في شلله، والنظام الدولي في ازدواجيته.
المملكة الأردنية الهاشمية
22 يوليو 2025
نشكركم على القراءة، ونتطلع لمشاركتكم في مقالاتنا القادمة للحصول على أحدث الأخبار والمستجدات.
0 تعليق