الضم قادم والتهجير يقترب: هل تصمد الضفة كما صمدت غزة؟ - تليجراف الخليج

0 تعليق ارسل طباعة

نقدم لكم زوارنا الكرام أهم وآخر المستجدات كما وردت في المقال التالي: الضم قادم والتهجير يقترب: هل تصمد الضفة كما صمدت غزة؟ - تليجراف الخليج اليوم الأربعاء الموافق 23 يوليو 2025 12:41 مساءً

كتب أ.د. محمد تركي بني سلامة -

في ظل التصعيد الإسرائيلي المستمر، يستعد الكنيست الإسرائيلي يوم غد الأربعاء للتصويت على قانون ضم الضفة الغربية بشكل رسمي إلى السيادة الإسرائيلية، في خطوة تمثّل ذروة مشروع استعماري استيطاني طويل الأمد، قائم على محو الوجود الفلسطيني قانونًا بعد أن جرى تقويضه فعليًا عبر الاستيطان، والحصار، والقتل الممنهج. ما يُقدم عليه الاحتلال ليس مجرد قرار سياسي عابر، بل هو حلقة حاسمة من مشروع إقصائي عنصري بدأ بإقرار قانون " يهودية الدولة " في 2018، والذي نصّ بشكل واضح على أن إسرائيل هي الوطن القومي لليهود وحدهم، مستبعدًا بذلك بشكل قاطع أي اعتراف بحقوق الفلسطينيين التاريخية، أو حتى مواطنتهم الشكلية.

إقرار قانون ضم الضفة، إن تم، سيكون الإعلان الرسمي عن نهاية حل الدولتين، وسينقل الواقع من الاحتلال العسكري المؤقت – نظريًا – إلى ضم دائم ونهائي، بما يحمله من تطهير عرقي متوقّع، وسياسات ترحيل جماعية تحت ذرائع قانونية جديدة. الأمر لم يعد افتراضيًا أو تحذيرًا أكاديميًا، بل بات سياسة عملية تتقدّم بخطى ثابتة نحو فرض واقع لا يمكن التراجع عنه. وإذا كان التاريخ يعلمنا شيئًا، فهو أن الضم يتبعه دائمًا التهجير، والتهجير يتبعه القتل أو الإخضاع، وهي ذات الأدوات التي شكّلت مشروع إسرائيل منذ نكبة 1948 حتى اليوم.

أمام هذا التطور الخطير، تُطرح أسئلة وجودية حول قدرة الفلسطيني في الضفة على الصمود. هل سيثبت كما أثبت أهل غزة في مواجهة آلة القتل الإسرائيلية؟ الفارق كبير بين التجربتين، فالضفة الغربية مفككة جغرافيًا، محاطة بالحواجز، مقيدة بالتنسيق الأمني، ومخترقة سياسيًا. لكن على الرغم من هذه التحديات، فإن جذوة المقاومة لم تنطفئ. في جنين ونابلس وطولكرم والقدس، يستمر الشباب الفلسطيني في تحدي الاحتلال بوسائل متعدّدة، وإن كان ذلك بأثمان باهظة. فالصمود في الضفة ليس رفاهية، بل ضرورة وجودية، وخيار لا بديل عنه، وإرادة تستمدّ قوتها من تاريخ نضالي عميق الجذور.

أما الموقف العربي، فلا يمكن وصفه إلا بالمتخاذل إن لم نقل المتواطئ. فما نشهده من ردود أفعال رسمية لا ترقى حتى إلى مستوى الحد الأدنى من الإدانة الشكلية. لا أحد من زعماء العرب خرج ليعلن رفضًا صريحًا لهذا القرار، ولا نية لأي دولة – خصوصًا تلك التي طبّعت مع الاحتلال – لإعادة النظر في علاقاتها أو مصالحها المشتركة معه. فالمصالح الضيقة والحسابات الأمنية والاقتصادية أصبحت أهم من فلسطين، بل من الكرامة القومية نفسها.

المأساة لا تتوقف عند حدود الضفة، فالصورة أشمل وأكثر سوداوية. في غزة، تُسفك الدماء منذ أشهر بلا توقف، وتُباد عائلات بأكملها تحت غطاء غربي وصمت عربي. في سوريا، تتكرر الاعتداءات الإسرائيلية على مطاراتها ومواقعها السيادية دون أي رد يُذكر، وكأن السيادة الوطنية لم تعد تعني شيئًا. في لبنان، تُقصف القرى الجنوبية، دون أن يسمع صوت رسمي عربي يتضامن أو يرفض. في اليمن، تفرض إسرائيل حضورها الاستراتيجي عبر باب المندب بغطاء دولي وسكوت عربي. الغيرة الإسرائيلية شديدة، والدم العربي مستباح، والصمت العربي مطبق، والتواطؤ الغربي مكشوف، والعالم يُعيد إنتاج ذات المعادلة: حقوق الإسرائيليين مقدّسة، ودم الفلسطيني والعربي مباح.

هذه اللحظة التاريخية ليست لحظة اختبار فقط للفلسطينيين، بل هي اختبار للعالم العربي كله، لأن ضم الضفة ليس نهاية المطاف. الأطماع الإسرائيلية لا تتوقف عند حدود الضفة، فالتفكير الاستراتيجي في تل أبيب يعتبر أن دولة إسرائيل، كما وصفها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، "صغيرة جدًا"، وتحتاج للتوسعة. هذا التصريح ليس زلة لسان، بل انعكاس لعقيدة توسعية تؤمن بأن حدود إسرائيل يجب أن تمتد أوسع من حدود 1967 أو حتى 1948. الحديث يدور في الأروقة الإسرائيلية والغربية عن وطن بديل، وعن تقويض أي كيان فلسطيني محتمل، بل وعن إعادة رسم خرائط المنطقة برمّتها.

السؤال إذًا لم يعد: هل ستضم إسرائيل الضفة؟ بل: ماذا بعد الضفة؟ ومتى يستفيق العرب من سباتهم؟ وهل نملك الشجاعة لنقول: كفى؟ إن ما يجري اليوم ليس فقط احتلالًا لفلسطين، بل إذلال لأمة بأكملها. أما التاريخ، فلن يرحم المتخاذلين، ولن يغفر للساكتين.

نشكركم على القراءة، ونتطلع لمشاركتكم في مقالاتنا القادمة للحصول على أحدث الأخبار والمستجدات.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق