نقدم لكم زوارنا الكرام أهم وآخر المستجدات كما وردت في المقال التالي: لماذا يعجز “المركزي” عن حماية الجنيه؟.. تحقيق في انهيار الاقتصاد السوداني - تليجراف الخليج اليوم الخميس 24 يوليو 2025 08:50 مساءً
تليجراف الخليج
شهد الجنيه السوداني هبوطًا حادًا وغير مسبوق، إذ تجاوز سعر صرفه عتبة الـ3 آلاف جنيه مقابل الدولار الأميركي الواحد، في وقت تُحذر فيه مصادر اقتصادية من تأثيرات كارثية لهذا التدهور على المشهدين السياسي والمعيشي في البلاد، التي دخلت عامها الثالث من الحرب.
ويُرجع مراقبون هذا التراجع الحاد إلى النقص الكبير في احتياطي العملات الأجنبية لدى بنك السودان المركزي، مما يدفع التجار والمستوردين نحو السوق السوداء لتأمين احتياجاتهم من الدولار، وهو ما يؤدي بدوره إلى تفاقم انهيار قيمة الجنيه.
الدولار يشتعل… طلب غير مسبوق يقلب موازين السوق
في مدينة بورتسودان، العاصمة الإدارية المؤقتة، كشف أحد المتعاملين في السوق الموازية أن الطلب على الدولار تخطى كل التوقعات. وقال إن الدولار وصل إلى 3300 جنيه، قبل أن يتراجع إلى 2900 جنيه، مشيرًا إلى عمليات بيع وشراء يومية بأسعار متقلبة وغير ثابتة.
وقال تاجر عملة آخر إن السوق تشهد تحركات سريعة للأسعار، وتوقع أن يستمر التدهور خلال الأيام المقبلة. وأشار إلى أن هناك جهات ضخمة دخلت السوق لشراء كميات هائلة من الدولار، مرجحًا أن تكون هذه الجهات مرتبطة بالحكومة التي تتخذ من بورتسودان مقرًا مؤقتًا لها، لتمويل عمليات عسكرية وتغطية نفقات الحرب.
التطبيقات المصرفية تحت الحظر… والبنك المركزي في دائرة الاتهام
في محاولة لاحتواء الأزمة، لجأ بنك السودان المركزي إلى فرض قيود صارمة على التعاملات المصرفية عبر التطبيقات الإلكترونية، ما أدى إلى توقف التحويلات المالية الكبيرة التي كانت تُستخدم في عمليات الاستيراد والتمويل.
إلا أن هذا القرار قوبل بانتقادات من خبراء الاقتصاد، باعتباره حلًا مؤقتًا لن يعالج جذور الأزمة. فقد أشار الدكتور محمد الناير إلى أن وقف التحويلات ربما يكون “عملية تخدير” مؤقتة، لن تنعكس إيجابيًا على استقرار قيمة الجنيه في المدى الطويل، خصوصًا في ظل ضعف الموارد وشح النقد الأجنبي.
الذهب في قلب الأزمة… والتهريب ينهك الاقتصاد
أكد الخبير محمد الناير أن الذهب يمثل موردًا حيويًا للعملات الصعبة، مشيرًا إلى أن الحكومة السودانية حققت العام الماضي نحو ملياري دولار من عائدات الذهب. لكنه حذر من أن عمليات تهريب الذهب المتواصلة تؤثر بشكل سلبي ومباشر على سعر الصرف، وتُفقد الدولة عوائد ضخمة كان يمكن أن تساهم في استقرار الاقتصاد.
وفي السياق ذاته، أشار أمين شباب الأعمال السابق باتحاد أصحاب العمل، أحمد سيد، إلى أن الجنيه فقد نحو 22% من قيمته خلال أسابيع قليلة، متوقعًا استمرار الانهيار في ظل غياب أي أفق سياسي لحل الأزمة.
الخراب الاقتصادي يلتهم موارد الدولة
تشير التقارير إلى أن الحرب المستمرة تسببت في تقليص إيرادات الدولة بنسبة تصل إلى 80%، فيما وصل معدل الانكماش الاقتصادي إلى 40% مع نهاية 2023، وسط توقُّعات بارتفاعه هذا العام.
كما أدت الحرب إلى تدمير البنية التحتية الصناعية، وتعطل معظم المصانع والشركات، وخسارة هائلة في القطاع الخاص نتيجة الدمار والنهب والانفلات الأمني، وهو ما يعمق أزمة العملة الوطنية ويرفع معدلات التضخم إلى مستويات غير مسبوقة.
المغتربون خارج المعادلة… وتحويلات مفقودة
خسر السودان منذ عام 2021 نحو 6 مليارات دولار سنويًا، تمثل تحويلات المغتربين التي كانت تُعد مصدرًا مهمًا للنقد الأجنبي. كما تراجع عائد تصدير الذهب، الذي كان من أهم دعائم استقرار العملة السودانية.
ويرى الخبير الاقتصادي أحمد خليل أن فقدان هذه الموارد، بالإضافة إلى اضطرابات السوق وتوسع السوق السوداء، قد أدى إلى انهيار منظومة العملة في البلاد، وسط تفاقم الضائقة المعيشية وغياب أي حلول جذرية.
سياسات مالية مؤقتة… ومحللون يصفونها بـ”الفاشلة”
وفي تدوينة له على منصة “إكس”، وصف مبارك أردول، المدير السابق للشركة السودانية للموارد المعدنية، قرارات وقف التحويلات الإلكترونية بأنها “سياسة فاشلة”، مؤكدًا أن الجنيه سيواصل الانحدار بشكل مخيف خلال أيام، محذرًا من تكرار نفس السياسات التي أوصلت العملة إلى هذه المستويات المتدنية.
وأشار أردول إلى أن الجنيه كان يعادل 900 للدولار قبل عامين، ليصل الآن إلى أكثر من 3350، معتبرًا أن كل المعالجات الحالية مجرد محاولات يائسة في ظل غياب رؤية اقتصادية شاملة.
التدهور متواصل… والأسعار نحو انفجار جديد
يتخوف المواطنون من أن يتسبب انهيار الجنيه في انفجار أسعار السلع الأساسية والدواء بشكل جنوني، خصوصًا مع دخول السودان في مرحلة صعبة من الحرب وانعدام الموارد والوقود ووسائل النقل والتوزيع.
ويرى مراقبون أن العجز الواضح في التحكم بسعر صرف الجنيه سينعكس حتماً على أسعار المواد الغذائية والمستلزمات الطبية، مما سيزيد من معاناة المواطنين الذين أنهكتهم الحرب والغلاء والانهيار الاقتصادي.
التدهور الاقتصادي يعمّق الانقسام السياسي
ويرجّح محللون أن يؤدي هذا الانهيار في قيمة العملة إلى تعقيد الأوضاع السياسية أكثر، إذ ترتبط أزمة الجنيه ارتباطًا مباشرًا بغياب الاستقرار السياسي، وعدم تشكيل حكومة موحدة، وفشل المبادرات الداخلية والخارجية في وقف الحرب.
ويبقى المواطن السوداني هو المتضرر الأول من هذا الانهيار، في انتظار حلول اقتصادية جذرية، وتحقيق اختراق سياسي حقيقي يعيد للبلاد استقرارها.
نشكركم على القراءة، ونتطلع لمشاركتكم في مقالاتنا القادمة للحصول على أحدث الأخبار والمستجدات.
0 تعليق