نقدم لكم زوارنا الكرام أهم وآخر المستجدات كما وردت في المقال التالي: أين الشعب ؟ - تليجراف الخليج اليوم الثلاثاء 10 يونيو 2025 02:30 صباحاً
الشعب، انها كلمة مرعبة ولها الأثر الكبير في جل الثورات والتغييرات السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية التي عرفها العالم، وخاصة في الدول الديمقراطية، أما في الدول غير الديمقراطية فتستعمل هذه الكلمة غالبا لدغدغة المشاعر أو بأسلوب قدحي للإشارة الى الطبقات المتدنية من المواطنين (كاين الناس الهاي وكاين أولاد الشعب).
في بعض البلدان المتخلفة والتي طبعا ليس من بينها المغرب، تجد كل خطاب رسمي وكل حملة انتخابية، يُستحضر الشعب وكأنه كائن حاضر دائما، فاعل وليس مفعولا به، واع ومشارك. بحيث يقال إن "الشعب اختار" وإن "الشعب قرر" وإن "الشعب يريد". لكن حين ننظر إلى الواقع، لا نجد لهذا الشعب أي تجسيد حي في السياسات العمومية، ولا في صناعة القرار ولا حتى في موازين القوى حيث يعتبر اخر هم السياسيين.
فأين هذا الشعب، حين يصادق على القوانين التي تمس حياته اليومية دون نقاش عمومي جاد؟ أين هو حين ترتفع الأسعار دون حسيب أو رقيب؟ أين صوته حين تختنق الحريات ويضيق على حرية التعبير؟
هنا نطرح السؤال التالي: هل الشعب غائب أم مغيب؟ أم أن الأنظمة السياسية السائدة في هذه البلدان جعلت منه مجرد متفرج على لعبة لا يملك أدواتها او يمكن أن يؤثر فيها؟
دائما ما نلجأ الى لوم "العزوف" ورمي كامل المسؤولية على المواطن الذي لا يصوت ولا يشارك في العملية السياسية ولا يحتج ليدافع عن حقوقه المهضومة. لكن وجب الاعتراف بأن هذا العزوف هو نتيجة عادية ومنطقية لواقع لا يعير المواطن أي وزن حقيقي. كيف نريد من الشعب أن يثق في مؤسسات لا تستشيره؟ أن يشارك في انتخابات لا تغير شيئا؟ أن يؤمن بديمقراطية شكلية تستعمل فيها صناديق الاقتراع كأدوات تزيين لا أكثر ولا أقل؟
ولعل جوهر المأساة يكمن في غياب العدالة الاجتماعية. ففي بلدان تتعاظم فيها الفوارق الطبقية، وتركز الثروة في أيدي قلة رأسمالية محظوظة فاسدة، ويترك ملايين المواطنين لمصيرهم بين يدي الفقر والهشاشة والحرمان حيث يسود الصراع الافقي بين الفقراء، لا يمكن الحديث عن سيادة شعبية حقيقية. إن الشعب الذي لا يجد مدرسة عمومية تحفظ كرامة أبنائه، ولا مستشفى عموميا يداوي آلامه، ولا عملا يضمن له لقمة العيش الكريم، هو شعب بلا سلطة فعلية، حتى وإن منحوه حق التصويت.
من هنا، تبرز ضرورة التغيير السياسي والدستوري كمدخل حتمي لأي حديث جدي عن السيادة الشعبية في البلدان العربية. لا يمكن لشعب أن يكون سيدا في نفس الوقت الذي يتم فيه إدارته من طرف أنظمة تكرس سلطوية مقنعة، وتقيد الفعل الحزبي والنقابي الملتزم، وتفرغ المؤسسات من جوهرها. ان المطلوب ليس فقط إصلاحات تجميلية وماكياج، بل إعادة النظر في قواعد اللعبة السياسية برمتها من خلال: توزيع السلطة وتفعيل آليات المحاسبة والمراقبة وتقوية دور القضاء وضمانات الحقوق والحريات.
لا يكفي أن نسأل اليوم أين الشعب؟، بل يجب أن نبدأ بالإجابة العملية والعلمية: بخلق شروط العدالة الاجتماعية، وضمان الحق في الكرامة، وتأسيس تعاقد سياسي جديد، يكون فيه المواطن العربي فاعلا وليس متفرجا، مشاركا وليس متجاهلا، سيدا وليس تابعا.
0 تعليق