ماذا يعني دعم بريطانيا للمقترح المغربي للحكم الذاتي؟ - تليجراف الخليج

0 تعليق ارسل طباعة

نقدم لكم زوارنا الكرام أهم وآخر المستجدات كما وردت في المقال التالي: ماذا يعني دعم بريطانيا للمقترح المغربي للحكم الذاتي؟ - تليجراف الخليج اليوم الثلاثاء 10 يونيو 2025 02:30 صباحاً

في فاتح يونيو الجاري حصل تطور مهم في ملف الصحراء، فقد عبرت بريطانيا عن دعمها للمقترح المغربي للحكم الذاتي بالصحراء، وذلك على لسان وزير خارجيتها ديفيد لامي، الأحد الماضي بالرباط، فقال: «إن لندن ترى الحكم الذاتي الأساس الأكثر مصداقية وقابلية للتطبيق وبراغماتية والأقرب لتسوية هذا النزاع». وقد تم التعبير عن هذا الموقف في بيان مشترك وقعه، مع وزير الشؤون الخارجية المغربي ناصر بوريطة.

بالنسبة إلى المغرب، فهذا الموقف مهم للغاية، لأنه يتعلق بثالث دولة عضو دائم بمجلس الأمن تدعم مقترحه للحكم الذاتي إلى جانب كل من الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا، ويأتي في سياق زخم مطرد، يدعم فرضية طي الملف في أقل من ستة أشهر من تاريخ الإحاطة التي قدمها المبعوث الشخصي للأمين العام ستيفان ديميستورا في أبريل الماضي.

بالنسبة إلى الجزائر، هناك اضطراب كبير في التعاطي مع هذا التطور، فبلاغ خارجيتها، يقول الشيء وعكسه، ففي الوقت الذي أعرب فيه عن أسف الجزائر لدعم لندن لمخطط الحكم الذاتي المغربي، وانحيازها للمبادرة المغربية، ومسا لمبدأ تقرير المصير، اعتبر أن المملكة المتحدة «لم تتطرق للسيادة المغربية المزعومة على إقليم الصحراء الغربية، ولم تقدم أي دعم لها»، وأنها بهذا الاعتبار «لا تزكي الاحتلال غير الشرعي لهذا الإقليم المصنف كـ›إقليم غير متمتع بالحكم الذاتي› وفقا للشرعية الدولية».

عمليا، نحن أمام وقائع واضحة، فالجزائر خسرت في هذا الملف، كل أعضاء مجلس الأمن الدائمين، بما في ذلك روسيا، التي دعتها الاعتبارات الإقليمية في ليبيا ودول الساحل أن تأخذ طريقا مختلفا أو مناقضا لطريق الجزائر، ولم يعد لها أمام زخم المبادرة المغربية أي محيط داعم لأطروحتها التقليدية باستثناء دول جد محدودة مثل جنوب إفريقيا، ثم إن هناك اتجاها أعلنت عنه الولايات المتحدة الأمريكية لحل مشكلة الصحراء قبيل انصرام شهر أكتوبر القادم، أي في أقل من أربعة أشهر، سواء تم ذلك من خلال مجلس الأمن، أو من خارجه، وذلك إذا تم الإعلان رسميا من قبل المبعوث الشخصي للأمين العام عن فشل مهمته. ما يؤكد ذلك، ما أشارت إليه تقارير إعلامية أن الأمم المتحدة قررت إنهاء مهام العديد من موظفيها التابعين لمفوضية اللاجئين في مخيمات تندوف، وكذا العاملين في مدينة العيون، بالإضافة إلى 14 موظفا في مكتبها بمدينة الرباط، حيث سيغادرون المغرب والجزائر في غضون الأشهر الأربعة المقبلة.

وإلى جانب المسار الأممي والدبلوماسي والسياسي، فقد كانت خسارتها أكبر من جهة المسار الاستراتيجي، فقد نجحت الرباط في أن تقيم علاقات استراتيجية مع دول الساحل جنوب الصحراء، في الوقت الذي دخلت الجزائر معها في توترات لم تحسم إلى اليوم، وأضحت حدود الجزائر من جهة الغرب (ليبيا) تواجه تحديات أمنية كبيرة، بسبب ضعف نفوذها في المنطقة، وتحولات الموقف الروسي الذي يراهن على ليبيا لبناء جسر لوجستي وعسكري يصلها بدول الساحل جنوب الصحراء بعيدا عن الجزائر، وأيضا بسبب تحولات الموقف التركي، الذي أضحى يلعب في كل الاتجاهات، في الغرب والشرق لتأمين مصالح أنقرة، وأيضا بسبب توتر علاقتها بأبو ظبي.

الصدمة التي تلقتها الجزائر الأسبوع الماضي، هو قرار موريتانيا، سد الحدود الشمالية المحاذية للجزائر والمغرب، فأغلقت بذلك المنافذ الأخيرة التي كانت متبقية لجبهة البوليساريو لاستهداف القوات المغربية، وذلك بعد أن حيد المغرب خطرها في المنطقة العازلة، بما يعني قتل الخيار العسكري بالكلية.

الملف الآخر، الذي خسرته الجزائر، هو المشروع الجزائري النيجيري العابر للنيجر (أنبوب الصحراء) وذلك بسبب العلاقات المتوترة مع نيامي، هذا في الوقت الذي يتقدم فيه المشروع المغربي النيجيري العابر لدول غرب إفريقيا، ويسير بشكل مطرد في الاتجاه الصحيح.

الجزائر اتهمت الإمارات العربية بالوقوف وراء مؤامرات تهدد أمنها الداخلي، وأنها تقوم بأعمال مشبوهة في دول الساحل جنوب الصحراء تهدد الأمن القومي للجزائر، وذلك على خلفية توسطها بين المغرب وموريتانيا، ودورها في إقناع نواكشوط بالاقتراب من الطرح المغربي، مقابل مكاسب اقتصادية واستراتيجية في المنطقة لا يمكن للجزائر أن تؤمنها، وأيضا على خلفية أدوار أبو ظبي في دول الساحل وتنسيقها مع موسكو.

هذه المؤشرات، تلخص فكرة ضيق الخيارات أمام الجزائر أو انعدامها بالكلية، فالخيار العسكري لم يعد له أرض يمكن أن ينطلق منها بعد القرار الموريتاني بإغلاق الحدود، وبعد تضييق المغرب الخناق على جبهة البوليساريو في المنطقة العازلة، والخيار السياسي الذي تدعمه الجزائر (الاستفتاء) لم يعد هناك من يدعمه، حتى ممن كان إلى وقت قريب يشكل حليفها الاستراتيجي (موسكو)، والمسار الأممي، ضاق من جهة الوقت (أربعة أشهر متبقية) وضاق من جهة العرض السياسي (فشل المبعوث الخاص للأمين العام في تقديم عرض سياسي مقبول لدى الطرفين)، والخيارات الاستراتيجية، ضاقت إلى أبعد الحدود، فالجزائر لم تعد لها أوراق تلعبها مع واشنطن أو لندن أو باريس التي تعرف معها قمة التوتر الدبلوماسي، وتعرف خلافات حساسة مع موسكو، ولا تجد طريقا لإقناع بكين، ثم هي معزولة في محيطها الإقليمي لا تتنفس إلا من جهة تونس المأزومة سياسيا واقتصاديا وحقوقيا.

الزمن بالنسبة إلى الجزائر في حد ذاته يشكل عنصر تهديد، فقد ضاقت المساحة أمامها بشكل كبير، خاصة بعد أن تحركت أصوات كثيرة داخل الكونغرس الأمريكي لتصنيف جبهة البوليساريو جماعة إرهابية، بما يعنيه في التكييف السياسي، وحتى في تكييف القانون الدولي، أن الجزائر تدعم جماعة إرهابية، وهو ما يشكل ضغطا سياسيا على الجزائر من أجل أن تمارس ضغوطا على جبهة البوليساريو، ليس فقط من أجل أن تقبل بخيار الحكم الذاتي، ولكن أيضا من أجل أن تتخلص من وجودها في تندوف، لكيلا يتحول خطرها إلى تهديد داخلي.

التأخير في فهم الرسائل المتواترة والمتوالية عبر الزمن، يعني اللعب بالنار، وتعرض الأمن القومي الجزائري للخطر، والوقت المستنفذ لا تزال مساحة منه تسمح بإنهاء المشكلة، وإقامة علاقات طبيعية مع المغرب، وبناء شروط تكامل اقتصادي مغاربي يمكن أن يعود على دول المنطقة كلها بالاستقرار والازدهار والرفع من مؤشرات التنمية.

التغييرات التي حصلت في قمة الجهاز الأمني الجزائري، تبين أن الوعي بقضية الزمن، يواجهه تحدي الصراع بين أجنحة السلطة، فقد شهد جهاز الاستخبارات الداخلية الجزائري يوم 21 مايو، إعفاء اللواء عبد القادر حداد، المعروف بلقب «ناصر الجن»، من منصبه على رأس المديرية العامة للأمن الداخلي (DGSI) بعد أقل من عام على تعيينه، وتعيين اللواء عبد القادر آيت وعرابي، الملقب بـ«حسان» الذي كان قيد السجن العسكري البليدية، بعد أن كان يعتبر الذراع الأيمن للجنرال المتقاعد النافذ سابقا محمد مدين المعروف بـ«توفيق»، فهذا التغيير المفاجئ، يدل على أن الخلاف على حسم السلطة، وتجديد قبضة العسكر على السلطة، يحظى بأولوية كبيرة على قضية فهم عامل الزمن في موضوع الصحراء، والتحديات الإقليمية التي تواجهها الجزائر، فالمؤسسة العسكرية، كانت دائما تعتبر الإرهاب وقضية الصحراء، ثابتين من الثوابت في سياستها لاستتباب الأمن الداخلي، وأنه في الحالة التي تتغير هذه المعطيات، تصير الحاجة أكيدة لمفردات سياسة أمنية جديدة لتأمين الاستقرار في البلد، وإعادة الشرعية للسلطة.

 

كاتب وباحث مغربي

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق