نقدم لكم زوارنا الكرام أهم وآخر المستجدات كما وردت في المقال التالي: ترامب والوجه الحقيقيّ للحرب: السلاح الأمريكيّ "يتهزّاً"! #عاجل - تليجراف الخليج اليوم الأربعاء الموافق 18 يونيو 2025 03:50 مساءً
كتب كمال ميرزا -
في غمرة انهماكنا العاطفيّ مع الحروب والصراعات، خاصة في أثناء المواجهات والأحداث الكبرى..
وهو الانهماك الذي تغذّيه حقيقة أنّ الجموع أو الحشود عموماً (masses) لا تفكّر بشكل عقلانيّ نقديّ تحليليّ مبنيّ على أساس معرفيّ ومنطقيّ متين وسليم، ولا يُتوقّع منها ذلك..
وتغذّيه انحيازاتنا وعنصريّاتنا وأهواءنا ورغباتنا وانفعالاتنا مهما حاولنا أن نضفي عليها هالة من الرصانة والوجاهة والعقلانيّة والموضوعيّة..
ويغذّيه مزاجنا ومخيالنا الذي تشرّب وبُرمج ورُوّض منذ الصغر على يدّ وسائل الإعلام والصناعات الثقافيّة لكي يستجيب إلى الإثارة الهوليووديّة والبهرجة البوليوديّية والدراما التركيّة والميلودراميّات العربيّة عوضاً عن التفكير الهادئ المتأنيّ الرزين العميق..
وتغذّيه وسائل الإعلام الجماهيريّة بحيلها السيكولوجيّة وألعابها اللغويّة وخدعها الإدراكيّة، والتي ما عادت مهمّتها خدمة الحقيقّة كجزء من حقّ الناس الأساسيّ و"الطبيعيّ" بالمعرفة، بل أصبحت مهمتها إعطاء الناس جرعتهم الإدمانيّة المغوية من الإثارة والبهورة والدراما و"التطهّر" حتى وهي تنقل لهم ما يُفترض أنّها معلومات وحقائق ووقائع مجرّدة، وبصورة تزغول عيون الناس وتعميها، وتحبسهم في الآن والتو واللحظة، وتأسرهم إلى شريط الأخبار الذي يتحرّكون معه بشكل لاهث ومستنزِف ومضة بعد ومضة بعد ومضة، ولا تتيح لهم التقاط أنفاسهم قليلاً، وأخذ خطوة للوراء حتى يتسنّى لهم رؤية السياق كاملاً، وخطوتين حتى يتسنى لهم اكتناه النمط والنموذج الكامن وراء السياق ودفق الأحداث..
في غمرة ذلك كلّه، ينسى الناس، حتى المثقّفين والمتعلّمين والمتنوّرين منهم، أنّ أسّ الحروب والصراعات التي يشهدها العالم الرأسماليّ الذي نعيش في كنفه منذ حوالي 500 سنة.. هو "المصالح"!
المصالح بمعناها الماديّ الاقتصاديّ الغرائزيّ المباشر..
المصالح التي تختبئ وراء مقولات كبرى وعموميّة مثل مستقبل البشريّة ومصير الحضارة والتقدّم ورفاه الأمم والشعوب وسعادة الإنسان.. لكنّها في حقيقتها مصالح خاصة وضيقة لرؤوس أموال ومصارف وشركات وصناديق سياديّة يملكها ويقوم عليها فئة محدودة ومتسلطة من بشر من لحم ودم!
وهذه المصالح متحرّكة ومتغيّرة..
منها ما قد يلتقي ويأتلف ويتكامل عند نقطة مُعطاة من الزمان والمكان، ومنها ما يتنافر ويختلف ويتعارض عند نفس النقطة المُعطاة..
وهذه المصالح منها ما هو آنيّ أو تكتيكيّ أو قصير المدى، ومنها ما هو متوسّط، ومنها ما هو إستراتيجيّ بعيد المدى.
في ضوء ما تقدّم نستطيع أن نفهم التصريحات الأخيرة للرئيس الأمريكيّ "دونالد ترامب"، والتي قد تبدو للوهلة الأولى مستغرَبة، أو ليست في مكانها، أو لا ترتقي لمستوى الحدث من قبيل "الناس بإيش وإنتَ بإيش"!
ففي منشور له عبر منصة "تروث سوشيال" التي يمتلكها، كتب "ترامب" قائلاً: "لدينا الآن سيطرة كاملة وتامّة على السماء فوق إيران. إيران تمتلك أنظمة تتبّع جويّ ومعدّات دفاعيّة جيدة وبكميات كبيرة، لكنّها لا تُقارَن بالمعدّات الأميركيّة المصنوعة والمُصمّمة داخل الولايات المتحدة.. لا أحد يفعل ذلك أفضل من الولايات المتحدة الأميركيّة"!
هذا الإدراج كما يشي الإدراج نفسه دون الحاجة لاستنطاقه وتقويله، هو عمليّاً "فزعة" صريحة ومباشرة من قِبَل الرئيس الأمريكيّ للصناعات العسكريّة الأمريكيّة، والتي يقف وراءها ما يُسمّى "المجمّع الصناعيّ العسكريّ الأمريكيّ"، والذي يقف وراءه مالكو وحملة أسهم ومدراء هذا المجمّع!
والمضحك المبكي بصورة سيرياليّة وسط ما يصمّ آذان العالم كلّه هذه اللحظة من جعجعة دعائيّة مُغرِضة وخطاب إيديولوجيّ موجّه، أنّ العامل الحاسم في إعلان أمريكا الحرب ضدّ إيران، ودخولها صراحةً ومباشرةً وجهاراً نهاراً على خطّ مواجهة تاريخيّة قد تغيّر وجه العالم، سيكون على ما يبدو هذه "الفزعة" التي يريد أن يفزعها "ترامب" لصناعة السلاح الأمريكيّ، ولأسعار أسهمها، ولمصير صفقاتها وأرباحها وتقارير أدائها السنويّة!
فصحيح أنّ الحرب على إيران هي فصل من فصول الصراع الإستراتيجيّ طويل الأمد بين أمريكا" (والغرب) والصين (ومن لفّ لفيفها) على تزعّم الاقتصاد العالميّ وتسيّد الساحة العالميّة.
وصحيح أنّ الحرب على إيران هي على المستوى المتوسط جزء من صراع عالميّ على النفط والغاز والموانئ والمعابر (والذي يرتبط بدوره بالصراع طويل الأمد أعلاه)..
ولكن على المستوى التكتيكيّ هناك وقائع وحقائق مُلحّة على الأرض الآن تضع أمريكا في "خانة اليك"، وتسلبها قدرتها على الانتظار والترويّ واتّباع سياسة النفس الطويل وترك الآخرين ليُجهِزوا على أنفسهم بأنفسهم ويخوضوا الحروب بالنيابة عنها، وتُملي عليها أن تتدخّل بشكل فوريّ ومباشر ولو بشكل غير محسوب تماماً قد يجعلها تدفع أثماناً باهظة سيكون لها أثرها وانعكاسها على صراعيها المتوسط وبعيد المدى!
بكلمات أخرى،،
ها هو السلاح الأمريكيّ "يتهزّاً" في المواجهة مع إيران..
فالـ F35 قد تمّ إسقاطها..
والقنابل الأمريكيّة التي تمّ تزويدها للكيان الصهيونيّ لم تنجح في إلحاق الدمار المطلوب بتحصينات المواقع النوويّة الإيرانيّة..
والدفاعات الجوّية الإيرانيّة تتعافى وتُحجّم شيئاً فشيئاً من الهيمنة الجويّة التي يُفترَض أنّ الطائرات والتجهيزات والذخائر أمريكيّة الصنع قد فرضتها..
ودفاعيّاً، لا دوريات الطائرات الأمريكيّة ولا أنظمة التشويش ولا صواريخ "الباتريوت" ولا "ثاد" ولا غيرها قادرة على صدّ هجمات المُسيّرات والصواريخ الإيرانيّة التي تتخذ ضرباتها منحى "نوعيّاً" متصاعداً..
لذا، على الرئيس الأمريكيّ كـ "خادم" يعمل لدى الشركات وأرباب المال والأعمال، وعلى الدولة الأمريكيّة والجيش الأمريكيّ ودافعي الضرائب الأمريكان الذين يعملون كـ "أداوات" بيد الشركات وأرباب المال والأعمال.. أن يهبّوا لنجدة مصالح وسمعة شركات السلاح الأمريكيّة مهما كان الثمن!
لو أردنا استخدام معجم مصطلحات الدكتور عبد الوهاب المسيري هنا، يمكننا القول أنّ الحرب على إيران (ومن قبلها طوفان الأقصى برمّته)، هي "لحظة نماذجيّة" يجد فيها النموذج العلمانيّ الغربيّ الشامل، والذي لا يؤمن إلّا بالمرجعيّة الماديّة كما تتجسّد في "السوق" وقيم السوق وآليات السوق بمعزل عن أي قيم دينيّة أو ثقافيّة أو إنسانيّة متجاوزة.. يجد نفسه مضطراً للتكشير عن أنيابه، وإزالة مساحيق التجميل عن وجهه المرعب القبيح، والإفصاح جهاراً نهاراً عن مكنوناته الدارونيّة النيتشويّة الفاوستيّة الوثنيّة الغنوصيّة الماشيحانيّة النازيّة الصهيونيّة.. والتي هي جميعها مقولات أساسيّة وجوهريّة في صلب ما نسمّيها "الحداثة الغربيّة"، أو "الحضارة الغربيّة"، أو "حضارة الرجل الأبيض" التي هي في حقيقتها حضارة ضدّ الحضارة، أو حضارة "نهاية الإنسان" و"نهاية التاريخ"!
نشكركم على القراءة، ونتطلع لمشاركتكم في مقالاتنا القادمة للحصول على أحدث الأخبار والمستجدات.
0 تعليق