فاروق العوضي روّض «الخردة» وأنبت نخلة نادرة - تليجراف الخليج

0 تعليق ارسل طباعة

نقدم لكم زوارنا الكرام أهم وآخر المستجدات كما وردت في المقال التالي: فاروق العوضي روّض «الخردة» وأنبت نخلة نادرة - تليجراف الخليج اليوم الجمعة 4 يوليو 2025 03:12 صباحاً

على أطراف مدينة دبي التي تنبض بالحداثة، وفي أحد أحيائها الهادئة، وتحديداً في منطقة «المزهر 2»، يختبئ عالم مختلف تماماً خلف بوابة حديدية بسيطة، لا توحي بشيء مما ينتظر الزائر بما تحتويه داخلها.

خلف تلك البوابة، يعيش الجد فاروق العوضي، تاجر تجاوز السبعين من عمره، لكنه لا يزال شاباً في روحه، ومبدعاً في أنامله، وعالياً في همته، وطموحاً في تطلعاته.

فاروق العوضي في حديقة منزله

تصوير: أشوك فيرما

فاروق العوضي في حديقة منزله

لم يكن العوضي ينتظر التقاعد ليسترخي، بل وجد فيه فرصة ليطلق المزيد من العنان لخياله، فحوّل حديقة منزله الصغيرة إلى متحف مفتوح للحيوانات العجيبة، لا تزأر ولا تطير، لكنها تنبض بالحياة بطريقة مختلفة، لأنها ببساطة مصنوعة من الخردة.

كل قطعة حديد أو بلاستيك أو خشب مهملة، وكل برغيّ مكسور، وكل إطار سيارة قديم، يجد طريقه إلى يدي الجد فاروق، يتحول إلى أسد من حديد، أو غزال بأرجل من مواسير المياه، أو يصير حتى طائراً طناناً بجناحين من مروحة قديمة.

«لا أحب أن أرمي شيئاً.. كل قطعة في البيت يمكن أن تعود للحياة بشكل آخر»، هكذا بدأ الحاج العوضي حديثه معنا، وهو يربت على ظهر الديناصور، الذي صنعه من خزان غاز قديم وأجزاء من الأشياء المنزلية واللعب والأواني القديمة.

وهنا، لا يمكن إلا الإشارة إلى أن التحفة الأغرب في متحف الحاج العوضي ليست حيواناته المعدنية، بل نخلة فريدة من نوعها زرعها بنفسه قبل 10 سنوات، وسقاها بحبه وابتكاره، حتى نبتت بعشرة رؤوس، في ظاهرة زراعية نادرة حيرت المختصين.

«كنت أراقبها كل يوم، أعتني بها كأنها ابن من أبنائي الخمسة، ثم لاحظت أنها بدأت تنقسم، فوجهت الخادم ألا يقطع منها أي فسيلة، وأن يتركها لتنمو بطريقة مختلفة عن غيرها من النخيل، وكلما كبرت، كبرت معها دهشتي»، هكذا يروي الحاج العوضي بابتسامة لا تخلو من الفخر رحلته مع هذه النخلة العجيبة.

ولفتت أنظار الباحثين والمهندسين الزراعيين، حتى حصلت مؤخراً على جائزة عالمية لأكبر عدد من الفسائل في شجرة نخيل، وهو 10 فسائل من موسوعة الكتاب الأرقام القياسية العالمية «غينيس»، في أبريل الماضي.

استدامة بيئية

مجسم الزرافة من إبداع فاروق العوضي
مجسم الزرافة من إبداع فاروق العوضي

اليوم، لا يمر زائر على حي الجد العوضي دون أن يتوقف عند «حديقته العجيبة» ويلتقط الصور إلى جوار تمساح مصنوع من سلاسل دراجة، وزرافة مصنوعة من خشب وأقمشة قديمة، أو يتفيأ تحت ظل النخلة ذات الرؤوس العشرة.

ويروي العوضي لـ«تليجراف الخليج» رحلته مع الفن والاستدامة، التي بدأت منذ العام 1962 قبل قيام الاتحاد، حينها لمح والده تاجر الأقمشة موهبة ابنه في الرسم وتصميم رسومات بديعة وجميلة على الأقمشة المتنوعة، التي كانت تستعين بها دور الأزياء الكبيرة.

ونمت موهبة فاروق بعد أن تزوج وأنجب، فقرر أن يحول سور حديقة منزله إلى جداريات تحمل رسومات للحيوانات ليُعرّف أطفاله وأحفاده على أنواعها.

كما عمد إلى زراعة حديقة منزله بشتى أنواع المزروعات بغرض تحفيز أفراد أسرته على المشاركة في تطوير المنظومة الزراعية، عبر تشجيعهم على استغلال المساحات الفارغة في المنازل لزيادة الرقعة الخضراء.

بهدف تعزيز الأمن الغذائي واستدامة البيئة وغرس ثقافة الزراعة وإنتاج الغذاء، والمساهمة في تنشئة جيل يستطيع الحفاظ على التنمية الزراعية المستدامة في الدولة، والمساهمة في سد جزء من احتياجات أسرته اليومية من المنتجات الزراعية برغم كل الظروف الطبيعية والمناخية غير المواتية، ونشر وتعزيز مفهوم المدن المستدامة في نفوس أبنائه وأحفاده.

أسهمت مزروعات الجد فاروق في إضفاء لمسة جمالية مميزة وتحسين نوعية الهواء والتخفيف من تأثير الانبعاثات الكربونية في منطقته، الأمر الذي شجع جيرانه على الإنتاج الذاتي المنزلي لبعض المنتجات الزراعية للحد من التأثير البيئي السلبي.

لم يكتفِ الجد فاروق، كما يحب أحفاده أن ينادوه، بصنع الحيوانات من الخردة، ولا بزراعة النخلة الفريدة التي نالت شهرة عالمية، بل حمل على عاتقه مهمة أكبر، هي غرس التراث في القلوب الصغيرة.

ففي زاوية الحديقة، وتحديداً قرب مجسم «الديناصور»، يقف نموذج مصغر للبرجيل، ذاك البرج التقليدي الذي كان يستخدم قديماً لتبريد البيوت، صنعه الجد فاروق بيديه، من الخشب وبعض الزجاجات القديمة، وأضاف له لمسات جمالية تحاكي الطراز الإماراتي الأصيل.

لم يكن البرجيل مجرد مجسم، بل رسالة صامتة تنبض بالهوية، إذ أراد لأبنائه وأحفاده أن يشعروا بالفخر بجذورهم، وأن يروا بأنفسهم كيف يمكن للتراث أن يعاد إحياؤه، ليس فقط بالكلام، بل بالفعل والحب.

وهكذا باتت حديقة الجد فاروق أكثر من مجرد متحف شخصي، إنها مساحة تربوية، فنية، وتاريخية، تذكر الزوار بأن الإبداع لا عمر له، وأن التراث ليس ماضياً نودعه، بل إرثاً نجدد نبضه كل يوم.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق